[بحث جديد عن حكم القراءة من المصحف في الصلاة]
ـ[أبو الفتح]ــــــــ[30 - 10 - 06, 09:58 ص]ـ
المصدر:
موقع دار الإفتاء المصرية
http://www.dar-alifta.com/ViewResearch.aspx?ID=6
أنزل الله تعالى كتابه الكريم نورًا وسراجًا منيرًا يضيء للقاصدين ويرشد الغافلين، ورغّب في الاشتغال به وفي ملازمته وتلاوته، فقال نبيه صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب حلو" ([1])، وقال: "من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" ([2]) إلى غير ذلك من النصوص السنية.
وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين أحرص الناس على المحافظة على تلاوة كتاب الله تعالى والإكثار منها، ونقل عنهم في ذلك عادات مختلفة فمنهم من كان يختم في كل شهرين ختمة واحدة وعن بعضهم في كل شهر ختمة، وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة، وعن بعضهم في كل ثمان ليال وعن الأكثرين في كل سبع ليال، ونقل غير ذلك ([3])).
ومن أفضل القربات والسُّنن الحسنات أن يجمع الإنسان بين الحُسنيين: الصلاة، وقراءة القرآن، فيحرص على ختم القرآن الكريم في صلاته، ولما كان من غير المتيسر لكل واحد أن يقوم بذلك من حفظه جاء السؤال عن إمكانية الاستعانة بالقراءة من المصحف في الصلاة، وذلك عن طريق حمله في اليد، أو وضعه على حامل يُمَكِّن المصلي من القراءة.
والمعتمد هو جواز القراءة من المصحف في الصلاة للإمام والمنفرد لا فرق في ذلك بين فرض ونفل وبين حافظ وغيره.
وقد ثبت عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها كان يؤمها عبدها ذكوان ويقرأ من المصحف ([4]).
وسئل الزهري عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف , فقال: "كان خيارنا يقرءون في المصاحف" ([5]).
وقراءة القرآن كما أنها عبادة فإن النظر في المصحف عبادة أيضًا، وانضمام العبادة إلى العبادة لا يوجب المنع، بل يوجب زيادة الأجر؛ إذ فيه زيادة في العمل من النظر في المصحف وحمله.
قال الغزالي: " وقد قيل الختمة في المصحف بسبع؛ لأن النظر في المصحف أيضاً عبادة" ([6]).
وكذلك فإن ما جازت قراءته ظاهرًا جاز نظيره ([7])، والمقصود حصول القراءة، فإذا حصل هذا المقصود عن طريق النظر في مكتوب كالمصحف كان جائزًا، والقاعدة أن الوسائل تأخذ حكم المقاصد.
هذا هو مذهب الشافعية، والمفتى به في مذهب الحنابلة، ونقل عن عطاء ويحيى الأنصاري من فقهاء السلف ([8]).
قال الإمام النووي من الشافعية: "لو قرأ القرآن من المصحف لم تبطل صلاته، سواء كان يحفظه أم لا، بل يجب عليه ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة، ولو قلب أوراقه أحيانًا في صلاته لم تبطل" ([9]).
وجاء في كشاف القناع من كتب الحنابلة: "وله أي المصلي القراءة في المصحف ولو حافظًا ... والفرض والنفل سواء قاله ابن حامد" ([10]).
ورأى الإمام أبو حنيفة رحمه الله أن القراءة من المصحف في الصلاة تفسدها، وهو مذهب ابن حزم من الظاهرية، واستَدَل على ذلك بأدلة:
أولها: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الصلاة لشغلا" ([11])، فالصلاة شاغلة عن كل عمل لم يأت فيه نص بإباحته، والنظر في المصحف عمل لم يأت بإباحته في الصلاة نص.
الثاني: أن من لا يحفظ القرآن لم يكلفه الله تعالى قراءة ما لا يحفظ , لأنه ليس ذلك في وسعه. قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فإذا لم يكن مكلفا ذلك فتكلفه ما سقط عنه: باطل ([12]).
أما الدليل الأول: فلو سلمنا أن النظر في المصحف في الصلاة لم يأت نص في إباحته بخصوصه، لكن ليس كل ما لم يرد فيه نص بإباحته بخصوصه يكون فعله مبطلا للصلاة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار في إباحة العمل اليسير في الصلاة مما ليس من جنسها ولم يحكم ببطلانها , منها ما ورد أنه كان يصلي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع , فإذا سجد وضعها وإذا رفع رأسه حملها ([13]) , ومنها حديث ابن عباس أنه قام يصلي إلى شق النبي صلى الله عليه وسلم الأيسر فأخذ بيده من وراء ظهره يعدله إلى الشق الأيمن ([14])، ومنها أن الأنصار كانوا يدخلون عليه وهو يصلي ويسلمون فيرد عليهم إشارة بيده ([15])، ومنها أمره
¥