تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أمره بقتل الأسودين في الصلاة الحية و العقرب ([16])، وأمره بدفع المار بين يدي المصلي ([17])، وغيرها.

فإذا كانت هذه النصوص قد وردت في أعمال أفحش من مجرد النظر ولم تبطل بها الصلاة، فإن عدم إبطال الصلاة بالنظر أولى، وإذا كان هذا النظر لمصلحة متعلقة بالصلاة، كالنظر في المصحف لغرض التلاوة فالأولوية آكد.

قال الإمام النووي رحمه الله: " الفكر والنظر لا تبطل الصلاة بالاتفاق إذا كان في غير المصحف، ففيه أولى " ([18]).

كما أن الإنسان ليس مطالبا بإغماض عينيه أصالة في الصلاة، مما يلزم منه عدم منعه من أي نظر لم يمنعه منه الشرع، فالشرع نهى المصلي عن النظر للسماء، قال عليه الصلاة والسلام: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم .. لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم" ([19])، واعتَبَر تسريح البصر فيما يلهي المصلي من الكائنات والزخارف مكروهًا؛ لمنافاته الخشوع المطلوب، ولما صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال: " اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي " ([20])، أما النظر في المصحف فليس فيه معنى يمنعه الشرع فتحتم بقاؤه على أصل الجواز.

وأما الدليل الثاني: فيناقش بأن قراءة المصلي من حيث هي مطلوب للشارع، إما على وجه الوجوب كالفاتحة في كل ركعة، أو على وجه الندب كقراءة ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة في المواضع التي يطلب فيها ذلك. والمقرر أن الواجبات والمندوبات ضربان: أحدهما مقاصد , والثاني وسائل، وللوسائل أحكام المقاصد , والشرع يثيب على الوسائل إلى الطاعات كما يثيب على المقاصد ([21]).

وعليه فالنظر في المصحف يكون مطلوبا للشارع لأنه وسيلة إلى مطلوب آخر مقصود وهو القراءة، وليس في ذلك تكليف للإنسان بما ليس في وسعه، ولا يقال إن القراءة من المصحف في الصلاة تَكَلُّفٌ من المكلف لما سقط عنه؛ لأن هذه القراءة على أقل أحوالها تكون مندوبة، والندب من الأحكام التكليفية بمعنى طلب الفعل لا على سبيل الحتم والإلزام، والله أعلم.

ولأبي حنيفة في علة الفساد وجهان:

أحدهما: أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير.

الثاني: أنه تلقن من المصحف، فصار كما إذا تلقن من غيره، وعلى هذا الثاني لا فرق بين الموضوع والمحمول عنده، وعلى الأول يفترقان.

وربما يستدل لأبي حنيفة بما أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف عن ابن عباس قال: "نهانا أمير المؤمنين أن نؤم الناس في المصحف"، فإن الأصل كون النهي يقتضي الفساد ([22]).

واستُثني من ذلك ما لو كان حافظًا لما قرأه، وقرأ بلا حمل فإنه لا تفسد صلاته; لأن هذه القراءة مضافة إلى حفظه لا إلى تلقنه من المصحف، ومجرد النظر بلا حمل غير مفسد لعدم وجهي الفساد ([23]).

ويُناقش الوجه الأول بمنع أن يكون حمل المصحف وتقليب أوراقه عملًا كثيرًا مبطلا للصلاة، أما الحمل فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملًا أُمامة بنت أبي العاص على عاتقه فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها ([24])، وأما تقليب أوراق المصحف فقد مر قريبًا بعض الأحاديث الدالة على إباحة العمل اليسير في الصلاة، والتقليب هو من جنس هذا العمل اليسير المغتفر.

وقد اختلف فقهاء الحنفية أنفسهم في ضابط القلة والكثرة على ثلاثة أقوال:

(الأول) أن ما يقام باليدين عادة كثير وإن فعله بيد واحدة كالتعمم ولبس القميص، وما يقام بيد واحدة قليل وإن فعل بيدين كلبس القلنسوة ونزعها. وكل ما يقام بيد واحدة فهو يسير ما لم يتكرر.

(والثاني) أن يفوض إلى رأي المصلِّي فإن استكثره كان كثيرًا وإن استقله كان قليلًا.

(والثالث) أنه لو نظر إليه ناظر من بعيد إن كان لا يشك أنه في غير الصلاة فهو كثير مفسد وإن شك فليس بمفسد ([25]).

وعلى أي من هذه الأقوال الثلاثة فإن القراءة من المصحف لا يلزم أن تصل لحد الكثير، فتقليب أوراق المصحف يكون في أضيق نطاق، وقد يُستعان على هذا بوضع المصحف ذي الخط الكبير على شيء مرتفع أمام المصلى ليقرأ منه الصفحة والصفحتين، ولا يحتاج إلى تقليب الأوراق كثيرًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير