ثالثا: يقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه لابن عباس رضي الله عنهما: " اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل " فالفقه في الدين العلم بشرع الله بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أما التأويل فهو أوسع من معنى التفسير والبيان فهو يشمل مع ذلك الفقه الاجتماعي والحضاري وما يجد من مسائل مع تغير العصر والتبصر بالعواقب والمآلات، فلا بد إذا من الجمع بين علم السلف رحمهم الله والقدرة على تنزيل ماقعدوه وأصلوه على ما يجد من مسائل وهذا هو منهج فقهاء أهل الحديث مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله.
رابعا: لم يكن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مدونا في أول الأمر فلما تقدم العصر احتاج الناس لذلك فدون، ثم لما كثرت الوقائع وتجددت ألف العلماء في فنون أخرى كأصول الفقه فألف الشافعي رحمه الله كتابه الرسالة وتتالت المؤلفات في هذا الفن ثم ألف في القواعد الفقهية واصبح فنا مستقلا فهل فعل العلماء ذلك عبثا؟ أو أنهم ضربوا بمنهج السلف عرض الحائط؟ أو انهم رأوا ان منهج السلف هو القاعدة التي يسيرون عليها في فهم نصوص الشريعة ورأوا ان لكل عصر علماؤه ومجتهدوه الذين يحققون المناط فيما يعرض لهم من فتاوى؟.
أفتى الصحابة رضي الله عنهم برأيهم في كثير من المسائل فهذا أبو بكر رضي الله عنه يفتي بالكلالة برأيه، وهذا ابن مسعود يفتي بالمفوضة برأيه، واجتهد عمر برأيه في مسألة جلد شارب الخمر وفي مسالة الطلاق.
فالقول بأنه لا يفتى إلا بما أفتى به الصحابة رضي الله عنه يلزم منه أن تبقى كثير من المسائل المعاصرة خالية من حكم وهذا باطل تنزه عنه الشريعة، يغفل البعض عن تعظيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مع أن السلف ماعظموا إلا بتعظيمهما وما كتب لهم القبول والنصرة إلا بتمسكهم بهما فانظر لأحمد رحمه الله كيف عظم قدرة بتمسكه بهما وانظر لأبي محمد ابن حزم رحمه الله فإنه مع ما حصل له من نقد واتهام ومع ماوقع فيه من الجمود وغرائب المسا~ل في الفقه فضلا عن العقيدة انظر كيف عظم شأنه وبقيت مؤلفاته إلى هذا العصر مع قلة اتباعه وما ذلك غلا لتعظيمه الوحي وتقديمه على قول من كان، فما بالنا نغفل عن الأصل وهو انا متعبدون أساسا بالوحي والله تبارك وتعالى سيسألنا يوم القيامة ماذا اجبتم المرسلين؟ وليس ماذا اجبتم فلانا وفلانا من البشر، ولا يفهم من هذا أنه تعال على منهج السلف فلا وربي فمنهجهم أسد المناهج ومسلكهم أقوم المسالك، فبفقههم نستنير وبعلمهم نسير.
كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: " أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر " انظر من ذكر: أبا بكر وعمر أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأقربهم إليه واكثرهم علما لكن ذلك لم يمنع ترجمان القرآن أن يخالفهما ويأخذ بما وصل إليه اجتهاده من الكتاب والسنة.
خامسا: كل ما سبق لا يعني أن الباب مفتوح وليس هذا هو مقصد أخي أبي بكر وإنما أفهم من كلامه أن هذا يكون لمن كان أهلا لذلك علما وفقها ودراية.
سادسا: لا يلزم في المناظرة أن يكون من يناظرك يخضع لقولك وإلا كان قولك معصوما ووحيا، ولا يلزم من فهمك أن يكون هو فعلا إصابة الحق فيما تدعيه من مسلك ومنهج، ولذلك ينبغي أن يكون المناظر حليما واسع الصدر للمناظرة والمناقشة ولا تنقلب المناظرة من مناظرة موضوعية إلى مناظرة شخصية واتهامات وإلزامات ربما لايلتزم به المناظر الآخر.
سابعا: أوصي نفسي أولا وإخواني ثانيا بقوله تعالى: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا)
وبقوله تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) فإذا كان الله أمرنا ان نجادل أهل الكتاب بالتي هي احسن وبالرفق واللين فكيف بالمسلم بل كيف بمن نعرف أنه على السنة، وقد قال الله تعالى عن الصحابة: (أشداء على الكفار رحماء بينهم) فهاهم الصحابة والسلف رحماء بينهم متوادون مع ما وقع من خلاف في كثير من المسائل بينهم فحري بمن سلك مسلكهم أن يقتدي بهم في جميع ما ورد عنهم عقيدة وفقها وخلقا.
ثامنا: أرجو أن لايحمل كلامي على غير محمله فأنا لا أقصد شخصا بعينه وإنما أحببت أن انبه لهذا الأمر لما رأيته في هذه المسألة وغيرها من حدة في الرد والنقد، وأدعو الله عز وجل أن يغفر لي ولأخواني في هذا الملتقى النافع وان نكون يدا واحدة نتبادل الفوائد والعلم وننشر السنة والله الموفق
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[04 - 11 - 06, 01:33 م]ـ
يا أبا فهر قد تجاوزت الشبر بالطول والعرض ... فعلام لا تقدم على الخير ... إلى متى تظل هكذا تتخوف ... اجتهد واغلط وغيرك يصلح لك أو تصلح لنفسك ... كم قولا رأيت لإمام كبير رجع عنه؟
إلا قل لي يا أبا فهر آلحق تريد أم ابن عمه ... أتيقن أنك تريد الحق ... فاعلم إذن - غير معلم - أننا نمارس الاجتهاد جميعا ... وإن يكن اجتهاد ترجيح واختيار ... فلا أدري هل نشعر بهذا أم لا ... فانظر بجلاء في مشاركات كثير من إخوانك هنا وأخبرني ماذا ترى ... و مثلك يأتي بالخير.
¥