تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ما جاء في الأثر «أن عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أتي برجل قد قتل عمداً، فأمر بقتله، فعفا بعض الأولياء، فأمر بقتله؛ فقال ابن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: كانت لهم النفس جميعاً، فلما عفا هذا أحيا النفس فلا يستطيع أن يأخذ حقه حتى يأخذ غيره. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن تجعل الدية عليه في ماله، وترفع حصة الذي عفا. فقال عمر: وأنا أرى ذلك» (15).

قال الشافعي ـ رحمه الله ـ نقلاً عن محمد بن الحسن تعليقاً على هذا الأثر: «فقد أجاز عمر وابن مسعود العفو من أحد الأولياء، ولم يسألوا: أقتل غيلة كان ذلك أو غيره» (16).

الدليل الثالث:

واستدلوا أيضاً بما رواه عبدالرزاق أن عروة كتب إلى عمر بن عبدالعزيز في رجل خنق صبياً على أوضاح له حتى قتله، فوجدوه والحبل في يده، فاعترف بذلك، فكتب أن ادفعوه لأولياء الصبي فإن شاءوا قتلوه. ولم يسأل عمر عن صفة القتل أهو غيلة أم لا؟ ولم يُنكر عليه، فكان إجماعاً.

وأجيب: بأن عمر بن عبد العزيز حكم في قضية عنده، وحكم الحاكم يرفع الخلاف لاسيما وهو ـ رحمه الله ـ من أهل الاجتهاد، فلا داعي للإنكار عليه، لما تقرر من أن حكم الحاكم رافع للخلاف، وأيضاً فإن دعوى ترك السؤال مجرد احتمال لا دليل عليه؛ إذ ليس في أي من الأثرين ثبوت السؤال ولا نفيه مع تساوي الاحتمالين يسقط الاستدلال. (17).

ونوقش هذا الاعتراض: بأن الأصل عدم السؤال ولم يُنقل مع أهميته، فدل على أنه لم يكن.

الدليل الرابع:

واستدلوا من المعنى بأنه قتيل في غير محاربة، فكان أمره إلى وليه كسائر القتل (18).

وأُجيب: بأن فيه شبهاً بالحرابة، أو هو منها.

القول الثاني:

ذهب المالكية والحنابلة في وجه في المذهب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، والشيخ محمد بن إبراهيم، ومجلس هيئة كبار العلماء، إلى أن عقوبة القاتل غيلة هي القتل حداً لا قصاصاُ فلا يصح فيه العفو. (19)

أدلة أصحاب القول الثاني:

استدلوا بأدلة أهمها ما يلي:

الدليل الأول:

قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف} (20).

نقل ابن فرحون عن ابن القاسم أنه قال: «وقتل الغيلة من الحرابة» (21).

وقد أُجيب بما قاله أبو محمد بن حزم: «فلا تخلو هذه الآية من أن تكون على الترتيب، أو التخيير، فإن كانت على الترتيب فالمالكيون لا يقولون بهذا، وإن كانت على التخيير ـ وهو قولهم ـ فليس في الآية ما يدعونه من أن قاتل الحرابة والغيلة لا خيار فيه لولي القتيل ـ فخرج قولهم عن أن يكون له متعلق، أو سبب يصح، فبطل ما قالوه» (22).

الدليل الثاني:

واستدلوا أيضاً بما رواه أنس بن مالك 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: «أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا أَفُلاَنٌ أَفُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَجِيءَ بِالْيَهُودِيِّ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ» (23).

وجه الاستدلال من الحديث: أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قتل اليهودي دون الرجوع إلى أولياء الجارية، ولم ينتظر إذنهم بالقتل، ولم يدفعه إليهم ليقتلوه، أو يعفو عنه، فدل على أنه يُقتل حداً ولا مجال للعفو فيه. (24).

نوقش: بأن الحديث لا يمكن اعتباره حجة على عدم جواز العفو؛ إذ لم يرد فيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يشاور وليها، ولا أنه شاوره؛ ولأن الأصل هو تخيير أولياء المقتول لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا يُودَى وَإِمَّا يُقَادُ» (25).

الدليل الثالث:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير