لكننا نرى أن النص عدل عن الإضمار، وهو التعبير بالضمير إلى التصريح بالكلمة، وهو مخالف للأصل من تركيب الكلام، فما السر في ذلك؟ يقول أبو السعود:
"وإظهار الأسماء في موقع الإضمار لإظهار كمال العناية بشأنها، والإيذان بأنه عليه السلام أنبأهم بها على وجه التفصيل دون الإجمال، والمعنى: فأنبأهم بأسمائهم مفصلة، وبين لهم أحوال كل منها وخواصه وأحكامه المتعلقة بالمعاش والمعاد، فعلموا ذلك لما رأوا أنه عليه السلام لم يتلعثم في شئ من التفاصيل التي ذكرها .. " (( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674054#_ftn1)2).
وكذا عند تفسيره لقول الله تبارك وتعالى: ”وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ?عَلَى الْكَافِرِينَ“ (البقرة: 89)، يبين سبب إظهار لفظ "الكافرين"، مع أن الأصل إضماره بأن يقال: فلعنة الله عليهم. فلماذا عدل عن ذلك إلى ما ذكر من الإظهار؟ يقول:
"ووضع المظهر موضع المضمر للإيذان بأن حلول اللعنة بسبب كفرهم" (( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674054#_ftn2)1)، ومقصوده:
أن الإظهار هنا قام مقام التعليل لحلول اللعنة بهم، ولبيان أن ما التصق بهم منها إنما هو بكفرهم. ومثل هذا ذكره في مواضع عديدة في السورة، من مثل قوله: ”وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ“ (البقرة: 95).
وانظر -غير مأمور- إلى كلامه عند قول الله سبحانه: ”قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ“ (البقرة: 97)، حيث يبين سر الإضمار في قوله: "نزله"، والعدول عن التصريح باسم جبريل؟ فيقول: "أضمر من غير ذكر إيذاناً بفخامة شأنه واستغنائه عن الذكر، لكمال شهرته ونباهته، لا سيما عند ذكر شئ من صفاته" (1) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674054#_ftn3)
فالإشارة إلى فيض شهرته وأنه صاحب وظيفة التنزيل، واعتبار ذلك من البدهيات، اقتضى إضماره وعدم التصريح باسمه.
(( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674054#_ftnref1)2) تفسير أبي السعود 1/ 116.
(( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674054#_ftnref2)1) المرجع السابق 1/ 163.
(( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674054#_ftnref3)2) تفسير أبي السعود 1/ 169.
ـ[رأفت المصري]ــــــــ[20 - 09 - 07, 08:28 م]ـ
المبحث الخامس: الدقة في اختيار الألفاظ
يلحظ البليغ أثناء تلاوته كتاب الله تعالى حسن انتقاء ألفاظه ودقة اختيارها، بما هو خارج عن القدرة البشرية على ذلك، فهي ألفاظ تختال جمالاً وتألقاً، وتنساب عذبة في الفم، خفيفة على اللسان، تستلذ بها الأسماع، وتستطيبها الأنفس. ولعل من أسس البلاغة وأركانها: وضع اللفظ المناسب في المكان الذي هو به أخص، مع مراعاة التناسب مع جو السياق العام. وقد جاء في تفسير أبي السعود من هذا الباب مادة غزيرة، وللترتيب والتبويب وجدت من المناسب أن أقسم المبحث إلى مطالب قصيرة، يمثل كل مطلب منها مجموعة من الأمثلة على ما أورده فيها، إلا أنه يجدر بي أن أشير إلى أن التقسيم لم يقم على الحصر، وإنما هو ضرب من التمثيل.
المطلب الأول: سر اختيار صيغة بنائية للكلمة دون صيغة أخرى
¥