2 ـ أن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرُّخصة؛ دفعاً للمشقة سواء كانت حاجة عامة للمجتمع أو خاصة أو فردية.
3 ـ أن يكون الآخذ بالرُّخصة ذا قدرة على الاختيار، أو أن يعتمد على من هو أهل لذلك.
4 ـ أن لا يترتّب على الأخذ بالرُّخص الوقوع في التلفيق الممنوع.
5 ـ أن لا يكون الأخذ بالرُّخص ذريعة للوصول إلى غرض غير مشروع.
6 ـ أن تطمئنَّ نفس المترخص للأخذ بالرُّخصة.
إشارة:
أوضح بعض العلماء كابن الصلاح والنووي وابن القيم وغيرهم (1)، أن من صح مقصده، واحتسب في تطلّب حيلة لا شبهة فيها، ولا تجرّ إلى مفسدة للتخلّص ـ مثلاً ـ من ورطة يمين ونحوها، وهو ثقة، فذلك حسن جميل، وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف، كقول سفيان: (إن العلم عندنا الرُّخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد).
قال ابن الصلاح: (وهذا خارج على الشرط الذي ذكرناه، فلا يفرحن به من يفتي بالحيل الجارة إلى المفاسد (2)).
خامساً: الآثار المترتبة على تتبُّع الرُّخص:
لا شكَّ أن لتتبُّع الرُّخص آثاراً ونتائج سلبية تؤدي إلى مسلك خطير. وقد توسع في الحديث عنها «الإمام الشاطبي» في كتابه النفيس (الموافقات)، وأيضاً هناك بعض الإشارات من علماء آخرين كابن الصلاح والنووي وابن القيم .. أجملُها في نقاط (3):
1 ـ أن فيها مخالفة لأصول الشريعة ومقاصدها، وذلك لأن الشريعة جاءت لتخرج الإنسان من داعية هواه، وجاءت بالنهي عن اتِّباع الهوى، وتتبُّع الرُّخص حثٌّ لبقاء الإنسان فيما يحقق هواه، واتِّباع ما تميل إليه نفسه.
2 ـ الانحلال من رِبْقَةِ التكليف، يقول «الشاطبي» وهو يتكلم عن ذلك: (فإنه مؤدٍّ إلى إسقاط التكليف في كل مسألة مختلف فيها؛ لأن حاصل الأمر مع القول بالتخيير أن للمكلف أن يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء، وهو عين إسقاط التكليف) (4).
3 ـ ترك اتِّباع الدليل إلى اتِّباع الخلاف، وهذا مخالف لقوله ـ تعالى ـ: {فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].
4 ـ الاستهانة بالدين وشرائعه، إذ يصير بذلك سيالاً لا ينضبط.
5 ـ قد يفضي إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماع العلماء.
سادساً: المُفتون والواقع:
إن الناظر في حال بعض المُفتين اليوم يخشى أن يشملهم ذلك الوعيد والزجر الذي قاله العلماء وحذروا منه في من تتبَّع الرُّخص الممنوعة، وذلك لأجل وقوعهم في المحظور المنهي عنه، ولكونهم ـ أيضاً ـ أخذوا التيسير منهجاً في الفتوى بناء على أخذ الأسهل من الأقوال، وتساهلوا فيها بحجة مجيء الشريعة باليُسْر والسهولة ورفع الحرج؛ لكون ذلك مقصداً من مقاصدها العظمى التي امتازت به.
وكونُ الشريعة الإسلامية جاءت بذلك مما لا شك فيه؛ لأنه قاعدة كلية عظمى.
لكن هناك فرق بين هذه القاعدة وبين التساهل وتتبُّع رخص العلماء ورفع مشقة التكليف باتِّباع كل سهل بدون أصول وضوابط، فحينما نبني الفرع الفاسد على الأصل الصحيح، أو نأخذ برخصة إمام من الأئمة خالف فيها الدليل الصحيح الصريح لأسباب وأمور هو معذور فيها (5)، بحجة القاعدة الكبرى وهي التيسير ورفع المشقة والحرج .. فهذا غير صحيح، ويوصلنا إلى منهج يعارض أصل الشريعة ومقاصدها وانضباطها، ولذلك سدَّ العلماء هذا الباب وحرّموه، يقول ابن مفلح: (يحرم التساهل في الفُتْيا، واستفتاء من عرف بذلك) (6)، ويقول ابن القيم: (الرأي الباطل أنواع، أحدها: الرأي المخالف للنص، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام فساده وبطلانه، ولا تحل الفُتْيا به ولا القضاء، وإن وقع فيه من وقع بنوع تأويل وتقليد) (7).
وللأسف فإن الذين عرفوا بذلك واتخذوا التيسير المحظور منهجاً لهم فقد وقعوا في محظورات وأخطاء أكبر، فها هم يريدون تطويع الفتوى بحجة مسايرة الواقع ومواكبة العصر ومتغيراته، ولم يفرِّقوا بين الثابت والمتغير، وأرادوا أن يغيّروا الفقه الإسلامي تغييراً موافقاً لقواعدهم، لكي يكون الفقه الإسلامي فقه التيسير والوسطية، وهو كذلك، لكن ليس على قاعدتهم ونظرتهم، ونتيجة لذلك فإن تساهلهم أوصلهم إلى أقوال غريبة وشاذّة، حتى ميّعوا الدين واستطال الجُهّال عليه، وعطّلوا بعض الحدود والأحاديث، وأصبحنا نرى فتاوى يستنكرها العوام أصحاب الفطر
¥