رابعا: أن الأفلام الخالية من صور النساء المتبرجات ومن الموسيقى، ذات الأهداف الخيرة في مضامينها وإخراجها؛ كالتعليم وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وذكر وقائع التاريخ والإشادة بأعلام الإسلام .. وما شابه ذلك من المعاني والمقاصد الصحيحة. هذه الأفلام تترك أثرا طيبا على النشء وعلى المشاهد عموما، في زمن اختفت فيه القدوة الصالحة من وسائل الإعلام إلا ماندر فيه، وأصبح المهرجون والمغنون واللاعبون ـ ذكورا وإناثا ـ هم وجوه الناس ومثلهم العليا!!
خامسا: أن إيجاد البديل المناسب جزء من إقامة الحجة على القائمين على القنوات الفضائية وأجهزة التلفاز، وأصحاب محلات الفيديو، من جهة، وعلى المشاهد والمستهلك من جهة أخرى .. الذين يجلبون إلى الناس وإلى بيوتهم الأفلام الماجنة، وإذا قيل لهم في ذلك، قالوا: هذا هو الموجود!. ومع تسليمنا بخطأ هذا المنطق، إلا أنه ـ ومرة أخرى ـ لايكفي أن يكون منطقهم هذا نقطة مفاصلة بيننا وبينهم، فالدمار والعقوبات الإلهية والفوضى والانحلال سوف نكتوي بنارها جميعا، كما أننا يجب أن نقف من الناس موقف الأطباء من المرضى، فنعمل على حجب أسباب المرض، ونؤخر ما أمكن أسباب الهلاك وموجبات العقوبة.
سادسا: أن واجب حماية المجتمعات الإسلامية من أسباب الانحلال والفساد هو واجب الحكام والحكومات بالدرجة الأولى، لأن بيدهم قرار المنع، وإليهم يرجع تشجيع البديل الأفضل وإحلاله. يلي ذلك العلماء وأهل الإصلاح في الدعوة وإقامة الحجة، والاجتهاد في حث الناس على مقاومة الفساد وأسبابه بالوسائل المناسبة، ومنها تشجيع القادرين من أهل المال والاختصاص بالتعاون والتفكير في إيجاد البدائل، وتذليل العقبات لهم، وفي مقدمتها: دراسة الأمر من وجوهه المختلفة، والنظر في المصالح العامة والمقاصد الشرعية، وتنزيل النصوص منازلها منها، وتشجيعهم وضبط مسيرتهم.
وإذا قصر هؤلاء وأولئك في أماناتهم وتخلوا عن مسؤولياتهم فأي مصير مجهول ينتظر هذه المجتمعات المغلوبة على أمرها، التي فقدت النصح والتوجيه على كل المستويات؟!
إن من غير المقبول أن نعجز عن حماية المجتمع الإسلامي من أسباب الرذيلة وطرق الانحراف، ثم يضيق أفقنا أو نتقاعس عن تيسير المخارج الأقل خطرا، من باب رفع الحرج عن الناس والتدرج في استصلاحهم.
سابعا: إن تغير وسائل التخاطب وأنماط الحياة وأساليب التأثير حقيقة ماثلة لايمكن تجاهلها بعدم التعامل معها، أو تجاوزها واختزالها، ومطلوب منا نحن المسلمين أن نعيش عصرنا بالإسلام، وأن نجتهد لكل نازلة بما يتناسب وطبيعتها وظروفها، وأن نقر بشدة وطأة أعداء الإسلام الإعلامية والثقافية على بلاد المسلمين، وأن وسائل المسلمين في مقاومة هذا الغزو ضعيفة جدا، وأنها حرب غير متكافئة، وإذا كنا نسلم بجواز مصالحة العدو مرحليا في حال الضعف، حتى نتمكن من أسباب القوة والمقاومة، فإننا أمام حرب لاتجدي معها المهادنة، بل المطلوب هو التسليم المطلق وبدون شروط.
أفلا يكون إفساح المجال أمام الأفلام الهادفة ـ والحالة هذه ـ ضمن قيود تراعي خصوصيتنا الإسلامية، لتحقيق الكفاية أو مقاربتها، ألصق بالحكمة ومقاصد الشريعة من إغلاق الباب فى وجوه أصحاب النوايا الحسنة الراغبين في سد هذا الثغر، لنصبح عيالا على البديل الأسوأ، بحجة أن هؤلاء كفار، دينهم ماتهواه نفوسهم، ونحن مسلمون، لنا موازيننا في القبول والرفض، فكيف سمحنا لهذه الموازين أن تختل في تلقي زبالة أفكارهم وقمامة رذائلهم! ولم نجتهد ـ وفق موازيننا ـ في إبداع الوسائل المقاومة لهم!
وإذا كنا نعذر أنفسنا في الأول بالعجز عن منع المنكر، فلا عذر لنا في الثاني بمقاومته بكل وسيلة هي أقل ضررا منه. هذا مقتضى العقل وعين مقاصد الشرع.
ولابد أن نفرق بين من يدعو إلى التنازل عن الثوابت، واقتحام المحرمات لذاتها، مجاراة لأعداء الإسلام وتزينا أمامهم .. وبين من أفزعه الواقع المؤلم، ونهض لإيجاد البديل، مرتكبا أخف الضررين، دون توسع، مجتنبا الوقوع في المحرم لذاته، متذرعا بما وسع بعض المجتهدين من أهل العلم المعتبرين في التجوز فيه، فيما يتعلق بالمحرم لغيره، إذا دعت مصلحة راجحة لاستخدامه.
كما لابد أن نفرق في الأمر المنكر الذي يشيع في الناس:
بين ماتكون الحكمة في الردع عنه تغليظ العقوبة فيه، كما فعل عمر رضي الله عنه في حد شارب الخمر، لما فشا في الناس شربها؛ حيث جعل الحد ثمانين جلدة، ووافقه الصحابة رضي الله عنهم في ذلك.
وبين ماتكون الحكمة حجز الناس عنه بالرفق واللين، وإعطائهم بعض مايحبون حتى ينكفوا عما وراءه مما هو أعظم منه، كما فعل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في حمل الناس على الأمر الأول، وقد بعدوا عنه بعض الشيء! فكان يعطيهم الحلوة من الدنيا رجاء أن يقبلوا معها مايريده رضي الله عنه منهم من أمر الدين.
ولاشك أن مانحن بصدده هو من جنس الأمر الثاني.
فلهذه الأسباب ونحوها فإننا نرى ـ والله أعلم ـ أن إنتاج وتصوير الأفلام الكرتونية والمسرحيات الهادفة، المنضبطة بالضوابط المذكورة سابقا أشبه بالصواب، تيسيرا على الناس، واستصلاحا لما أمكن، وتخفيفا للشر ومزاحمة له، وإقامة للحجة في ترك ماهو أعظم شرا منها، ومراعاة لاختلاف أحوال الناس في طرائق التعلم والتلقي، ومخاطبة الناس باللغة التي هي أكثر تأثيرا من غيرها، وأن مايرتكب في سبيل ذلك مما لابد منه من مخالفات، لاتبلغ ماذكرنا من المحاذير التي لايتأول في تجاوزها، فإنه مغتفر مغمور بالمصلحة الكبرى المرجوة، على أن يجتهد أهل العلم والمختصون بالبحث الدائم عن الوسائل التي تؤدي الغرض، وتكون أسلم وأبعد من المخالفات الشرعية حسب الإمكان. والله تعالى أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د. عبدالله الفقيه
http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?Option=FatwaId&lang=A&Id=3127
¥