"أما التبليغ خلف الإمام لغير حاجة فهو بدعة غير مستحبة باتفاق الأئمة وإنما يجهر بالتكبير الإمام كما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلفاؤه يفعلون، ولم يكن: أحد يبلغ خلف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكن لما مرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضعف صوته، فكان أبو بكر – رضي الله عنه – يسمع بالتكبير" أ. هـ[31].
وقال ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار:
"وفي حاشية أبي السعود: واعلم أن التبليغ عند عدم الحاجة إليه بأن بلغهم صوت الإمام مكروه، وفي السيرة الحلبية: اتفق الأئمة الأربعة على أن التبليغ حينئذ بدعة منكرة أي مكروهة، وأما عند الإحتياج إليه فمستحب" أ. هـ[32].
وجاء في المعيار المعرب:
"ولا ينبغي فعله من غير حاجة إليه، ولا إشكال حينئذ في كونه منهياً عن الاقدام عليه ابتداء ويبقى النظر إذا وقع من غير ضرورة في صحة الصلاة، فأما المأمومون إذا كانوا يسمعون صوت الإمام فلا كلام في صحة صلاتهم لأن اقتداءهم حينئذ بصلاة إمامهم، وأما المسمع فالصواب صحة صلاته لأن الفقهاء قالوا إن الذكر إذا كان في محله من الصلاة وجهر به المصلي قاصداً للتفهيم فإنه مغتر" أ. هـ[33].
وجاء في رسالة القول البديع ما نصه:
"أما إن رفع الإمام صوته حتى بلغ جميع المأمومين فإن التسميع من غيره يكون مكروهاً إجماعاً لا خلاف الأولى فقط لأنهم قد صرحوا في غير ما موضع من كتب المذهب وغيره بأنه يندب لغير الإمام الاسرار بالتكبير والتحميد والتسليم، ومعلوم أن ترك المندوب إذا كان أكيداً مكروه ومنه ما هنا .. " أ. هـ[34].
وقد ذكر علماء المالكية أن وجوه الاقتداء أربعة: رؤية أفعال الإمام، فإن تعذرت فسماع أقواله، فإن تعذرت فرؤية أفعال المأمومين فإن تعذرت فسماع أقوالهم.
وهذا الرابع هو التبليغ وهو آخر وجوه الاقتداء وقد ذكروا أن في حكم الصلاة به أربعة أقوال وهي: تصح ولا تصح والفرق بين أن يأذن الإمام فتصح أولا فلا تصح والفرق بين أن يكون صوت الإمام يعمهم فلا تصح أولا يعمهم فتصح [35].
وقال البيجوري في حاشيته على شرح ابن قاسم الغزي على متن أبي شجاع عند قول المصنف (والتكبيرات عند الخفض) قال:
"ويجهر بالتكبيرات إن كان إماماً ليسمعه المأمومون أو مبلغاً إن احتيج إليه بأن لم يبلغ صوت الإمام جميع المأمومين كذا قاله في المحشي وظاهره أن الإمام يجهر وإن لم يحتج إليه وقيد الشبراملسي كلاً بالاحتياج وهو ظاهر، ويقصد أن الذكر وحده أو مع الإعلام لا الإعلام وحده لأنه يضر وكذا الإطلاق في حق العالم بخلاف العامي، ولابد من قصد الذكر عند كل تكبيرة عند الرملي، ويكفي قصده في التكبيرة الأولى عند الخطيب أما المنفرد والمأموم غير المبلغ فيسران بالتكبيرات ويكره لهما الجهر بها ولو من المرأة ولو أمت المرأة نساء جهرت بالتكبيرات أقل من جهر الرجل بحيث لا يسمعها أجنبي كما قاله في الجواهر". انتهى كلام البيجوري [36].
وفي كتاب الفروع:
"ويستحب جهر إمام به – أي بالتكبير – بحيث يسمع من خلفه وأدناه سماع غيره، ويكره جهر غيره به ولا يكره لحاجة ولو بإذن إمام بل يستحب به وبالتحميد لا بالتسميع" أ. هـ[37].
قصد تكبيرة الإحرام من الإمام والمأموم: ومما يذكره الفقهاء هنا قصد تكبيرة الإحرام من الإمام ومن المأموم كذلك. فعند الحنفية [38] والشافعية [39] أنه إذا كبر الإمام للافتتاح فلابد لصحة صلاته من قصده بالتكبير الإحرام بالصلاة فإن قصد الإعلام فقط فلا صلاة له فإن جمع بين الأمرين بأن قصد الإعلام والإحرام فهو المطلوب منه شرعاً.
قال ابن عابدين:
"وكذلك المبلغ إذا قصد التبليغ فقط خالياً عن قصد الإحرام فلا صلاة له ولا لمن يصلي بتبليغه [40] في هذه الحالة لأنه اقتداء بمن لم يدخل في الصلاة فإن قصد بتكبيرة الإحرام مع التبليغ للمصلين فذلك هو المقصود منه شرعاً" أ. هـ[41].
ويعلل الحنفية ذلك بأن تكبيرة الإحرام شرط أو ركن على الخلاف في ذلك فلابد في تحقيقها من قصد الإحرام أي الدخول في الصلاة [42].
أما عند المالكية فيجوز اتخاذ شخص معين ليسمع الناس وتصح صلاته ولو قصد بتكبيره مجرد إسماع المأمومين فيصح أن يكون المسمع صبياً أو امرأة أو محدثاً وذلك مبني على أن المسمع علامة على صلاة الإمام.
قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير:
¥