تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

التشريع نتاج حركية مستمرة يتفاعل فيها النص مع الواقع وأي فصل بين قطبي الحركة أو شلل في آلياتهما سيؤدي إلي جمود في التشريع وارتباك في الواقع بسبب عدم وجود الحل المستجيب للوقائع المستجدة بين أفراده وهو ما عبر ما عبر عنه الشيخ محمد المامي بالحرج الذي يشخصها في الخلو من المجتهدين وسيلة التجدد والحركية في التشريع و فرض حصار علي الفتوى وسيلة ربط أجراء الواقع بالتشريع للتشدد في الشروط الموضوعة من المتأخرين لبلوغ منزلتها فضاع هنا حق المستفتي وأصبح في حالة أشبه ما تكون بحال أهل الأعراف الذين في منزلة بين المنزلتين

حجم أزمة مجتمع الشيخ المامي كما تتراأى له لا تقتصر علي استقالة التشريع عن وظيفته فحسب بل ينضاف إ لي ذلك انقسام علي ساحة هذا التشريع علي نفسها في فريقين كل منهما ينادي بمبادئ الآخر أحوج إليها وواقعهم أحوج في تطبيقها مجتمعة دون التعصب لأحدها ولعل هذا الانقسام هو السبب الرئيس لتكريس الأزمة يقول الشيخ محمد المامي في تعليقه علي الوضع < إني لما رأيت علماء الوقت بين حيزين: حيز أصولي ينحو نحو الاجتهاد ولم يدعه ولم يدع له ويذم التقليد ولم يغن عنه غيره بل لم يستغن هو عنه وحيز ينحو نحو الفقه ويقول نحن خليليون ولم يبلغوا مقاصده، ولا يكاد أحد الحيزين يجمع مسائل الفقه المستبحرة ومسائل الأصول المبيحة للفتيا وكلاهما يطعن في الآخر وكل يعمل علي شاكلته >

ولم يقف الرجل متفرجا ينظر إلي الساحة دون أن يتأثر أو يؤثر فيها وهو المنظر التشريعي الذي شغل استخراج النظريات والقواعد الفقهية المرتبطة بالواقع الجزء الأكبر من حياته وخصص لها جزء وفيرا من مؤلفاته التي بلغت 400مؤلف في الفقه وأصوله سعي في أغلبها إلي أن تكون واقعية قريبة المأخذ تفهمها العامة ولا تستطيع الخاصة الاستغناء عنها ولهذا كان يختار لمؤلفاته أسماء غريبة إغراء لقراءتها والتمكن منها ولأن فيها حلولا لمشاكل الواقع المعاش مثل كتاب البادية معتمدنا في تقديم منهجه الفكري وقد ألفه في الأساس ليكون مرجعا فقهيا يساعد الفقيه في دراسة المسائل المطروحة لأهل البادية استجابة لطلب تقدم به أحد الغيورين علي الفقه في تلك المنطقة < أدرك الفقه فقد خرج من الأيدي > ناقش فيه جملة من المسائل التي اختلفت فيها أنظار معاصريه لعدم جريانها علي سنن واحد مع ما وقع النظر الفقهي فيه من قبل وكذلك عرض في الكتاب موقفه من الاجتهاد والتخريج علي أصول المذهب وأقوال المذاهب الأخرى التي يعتبرها بمثابة الماعون الذي لا يستغني عنه إن عدمت أقوال أهل المذهب:

ولا أريد اجتهادا لكن إن نفدت قبلي لمجتهد ولاه تضمين

بشرط إن وافقت قولا لمذهبنا ومذهب الغير إذ لا نص ماعون

[البسيط]

المنهج المعتدل الذي لا يتعصب لرأي عن آخر

هو ما يقدمه الشيخ محمد المامي لتجاوز الوضعية التشريعية المسيطرة والتي كان من مظاهرها التعصب للرأي الواحد وتهميش القواعد الأصولية عن وظيفتها التشريعية < فأهل الزمان وإن كانوا إلي الأصول أحوج فلا يكادون ينتفعون بالفروع لكل أفها مهم >

والبديل المقترح هو عدم التمسك بالأحكام المدونة في الفروع دون استخدام هذه القواعد للتبصر في أدلة واضعيها والتخريج عليها خاصة مع تجدد الحوادث المطروحة لفقيه البادية وتنوعها يقول الشيخ محمد المامي < أما غزارة فروع الفقهاء مع قطع النظر في ما ينظر فيه من التخريج والعرف وغير ذلك فقصور وأما ذم أصولي زماننا لهؤلاء الفقهاء وطرحهم ورفض حكمهم وجعلهم سخرية مع عدم ادعائهم للإغناء عنهم فليس بمنصور وأما احتجاج الفقهاء علي رفض كلام أهل الأصول بجهلهم لبعض الفروع فغير قادح لأن الأصول من الفنون التي لا يتذوقها عصب لسان الفهم إلا بالمتمات >

يخرج الشيخ محمد المامي من الاستطراد النقدي لآراء الفريقين ليقدم مقاربته التوفيقية للمنهجين وذلك اعتمادا علي إشارات استقاها من بعض الآيات مثل قوله تعالي < إن الله يأمر بالعدل والإحسان> فالعدل في الأمور التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط لذا جاء شرعنا وسطا عدلا ومن العدل رد الفروع إلي أدلتها الأصلية ويستدل بآية أخري استدلالا أقرب إلي التفسير الإشاري وهي قوله تعالي < أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم > فظهر لي أن الآباء هي أصول الفقه الإجماعية الثلاثة <

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير