قد ثبت أن النبي ?: أمر سهلة بنت سهيل، وحمنة بنت جحش لما كانتا مستحاضتين بتأخير الظهر وتعجيل العصر، والجمع بينهما بغسل واحد، فأباح لهما الجمع؛ لأجل الاستحاضة، وأخبار المواقيت مخصوصة بالصور التي أجمعنا على جواز الجمع فيها، فيخص منها محل النزاع بما ذكرنا ().
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
أولاً: حديث ابن عباس عن طريق حبيب بن أبي ثابت: "جمع رسول الله ? بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر" قيل لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: "كي لا يحرج أمته" ().
وجه الدلالة من الحديث: أنه يحمل على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار، وقال النووي: "وهذا قول أحمد بن حنبل، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة " ().
الترجيح:
يظهر للباحث بعد استعراض الأدلة للفريقين ومناقشتها: أن الراجح هو قول القائلين بجواز الجمع بين الصلاتين؛ لعذر المشقة والضعف في الحضر، وذلك لقوة أدلتهم، وضعف استدلالات مخالفيهم، وقد قال الإمام أحمد في حديث ابن عباس: "هذا عندي رخصة للمريض والمرضع" (). ويجوز أن يتناول من عليه مشقة من أشباههما ()، والحامل يجوز لها الجمع إذا احتاجت إليه، إن كانت تلاقي مشقة فبتفريق الصلاة، وبعض الحوامل يجهدها الحمل، ويصعب عليها التطهر لكل صلاة، ومعروف عند الفقهاء أن المشقة تجلب التيسير، والله عز وجل يقول: ?وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ? [الحج: من الآية78]، فلا بأس أن تجمع وهذا من باب التخفيف الذي تميزت به شريعتنا الإسلامية الغراء.
المبحث الثالث: صوم الحامل والمرضع في رمضان:
اتفق أهل العلم على أن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما، أو خافتا على أنفسهما وولديهما، فلهما الفطر، وعليهما القضاء فحسب؛ لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه ().
وإذا خافت الحامل والمرضع بسبب صيامهما على ولديهما فقط. بحيث يضر الصوم بالولد، فماذا يترتب عليهما إذا أفطرتا؟ وضابط الضرر المجيز للإفطار يعرف بغلبة الظن بتجربة سابقة، أو إخبار طبيب مسلم حاذق عدل، يثبت بمقتضاها الخوف من أن يفضي الرضاع أو الحمل إلى نقص العقل أو الهلاك أو المرض، وليس المراد من الخوف مجرّد التوهم والتخيّل ().
وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، وذلك على أقوال:
القول الأول: أن الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فقط، فعليهما القضاء والفدية، وهذا مذهب الشافعية في الراجح المعتمد من مذهبهم (). وهو مذهب الحنابلة (). وبه قال مجاهد، وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعطاء ().
القول الثاني: أن الحامل عليها القضاء وليس عليها الفدية، وأما المرضع فإن عليها القضاء والفدية. وهذا مذهب المالكية، وبه قال الليث ().
القول الثالث: أن الحامل والمرضع عليهما الفدية فقط، وليس عليهما القضاء، وهذا مروي عن ابن عباس، وعدد من التابعين.
القول الرابع: أن الحامل والمرضع لا يجب عليهما القضاء ولا الفدية. وهذا مذهب ابن حزم الظاهري ().
القول الخامس: التخيير، فإن شاءت الحامل والمرضع أن تطعما، ولا قضاء عليها، وإن شاءتا قضتا، ولا إطعام عليهما. وهذا قول اسحق بن راهوية ().
القول السادس: أن الحامل والمرضع عليهما القضاء فقط، ولا فدية عليهما. وهذا مذهب الحنفية ()، وهو قول الشافعي، والمزني من الشافعية ()، وروي ذلك عن الحسن البصري وإبراهيم النعي والأوزاعي وعطاء والزهري وسعيد بن جبير والضحاك وربيعة والثوري وأبو عبيد وأبو ثور، وأصحاب الرأي وابن المنذر، وروي عن الليث، وهو قول الطبري ().
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
أولاً: قوله تعالى: ? وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ? [البقرة: من الآية184] والحامل والمرضع داخلتان في عموم الآية (). لأنهما ممن يطيق الصيام، فوجب بظاهر الآية أن تلزمهما الفدية ()، ويؤيده قول ابن عباس في الآية: "كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام، أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينًا، والحبلى والمرضع إذا خافتا. قال أبو داود: - يعني على أولادهما – وأطعمتا" (). وروي ذلك عن ابن عمر، ولا مخالف لهما في الصحابة ().
الرد على الاستدلال:
¥