حيث "سُئل عن معنى قوله: (ما ننسخ من آية أو ننسها)، والله سبحانه لا يدخل عليه النسيان. فأجاب:" أما قوله: (ما ننسخ من آية أو ننسها) ففيها
ـــــــــــــــ
1 - سورة الماعون الآية (4).
2 - سورة الماعون الآية (5).
3 - الإمام ابن تيمية، مجموع الفتاوى، جـ13 ص391 – 392، ص401، مرجع سابق، والتفسير الكبير له،
جـ2ص262، 271،مرجع سابق.
4 - سورة البقرة الآية (106).
قراءتان أشهرهما (1): (أو نُنسها) أي: ننسيكم إياها: أي: نسخنا ما أنزلناه، أو اخترنا تنزيل ما نريد أن ننزله نأتكم بخير منه أو مثله، والثانية (2) (أو نَنسأها) بالهمز أي: نؤخرها، ولم يقرأ أحد ننسها فمن ظن أن معنى ننسأها بمعنى: تنساها فهو جاهل بالعربية والتفسير. قال موسى عليه السلام: (عِلمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى) (3) والنسيان مضاف إلى العبد كما في قوله: (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) (4) ولهذا قرأها بعض الصحابة: أو (تنساها) أي: تنساها يا محمد وهذا واضح لا يخفى إلا على جاهل لا يفرق بين ننسأها بالهمز وبين تنساها بلا همز (5) " فنراه قد أبان الالتباس في فهم آية من كتاب الله وأوضح معناها المقصود من خلال القراءات وأن الفهم السقيم لها فيه إثبات النقص للرب –سبحانه وتعالى- ولكن من خلال معرفة القراءات اتضح المعنى المراد وبهذا يتربى المتعلمون على إثبات العقائد ونفي النقص عن جناب الألوهية من أمور ومنها القراءات
(ب) دفاعه عن مقام الرسل عليهم السلام
وذلك بإيضاح معنى القراءاتين وأنهما ليستا متعارضتين بل معناهما واحد ولكن بتعبيرين مختلفين كما أوضح هذا عند تعليقه كما في قوله تعالى: (ولقد رآه بالأفق المبين. وما هو على الغيب بظنين) (1) فقال في ذلك موضحاً أنه لا تعارض بين المعنيين: "قال تعالى: (ولقد رآه بالأفق المبين) أي: رأى جبريل عليه السلام (وما هو على الغيب بظنين) (2) أي: بمتهم، وفي القراءة الأخرى (3): (بضنين) أي: ببخيل" (4) فمن خلال إثبات القرائتين وفهم معناهمايظهرأنهماتعطيان صفات حسنةعمن وصف من رسل الله وذلك بصفتين هما1) ليس بمتهم2) ليس ببخيل وهكذاأبان من خلال القراءات إثباتاًعقدياً يجب على كل مسلم الإيمان به
(جـ) إثباته لصفة من صفات الرحمن
من خلال القراءات؛ وذلك لاحتمال المعنى من الآية على إثبات تلك الصفة لله –سبحانه وتعالى- وكذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وهذه الآية هي قوله تعالى: (بل عجبت يسخرون) (5) كقوله مثبتاً صفة العجب لله –سبحانه وتعالى-: "ولهذا قال تعالى: (بل عجبتُ ويسخرون) على قراءة الضَّمِّ (6).
فهنا عجبٌ من كفرهم مع وضوح الأدلة" (1) فمن خلال تلك القراءة الكريمة والتي هي بضم التاء من (عجبتُ) أثبت منها الإمام ابن تيمية صفة العجب للرحمن حاله كحال أهل السنة والجماعة من الإثبات والاعتقاد لكل صفة جاءت في كتاب الله بقراءاته أو صحت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا علق على مُنْ أنكرها متأولاً مخطئاً بقوله: "فهذا قد أنكر قراءاة ثابتة وأنكر صفة لله دلَّ عليها الكتاب والسنة" (2).
(د) إثباته لصفة المجد للرحمن وكذلك إثباته لصفة المجد لعرش الرحمن –سبحانه وتعالى- وذلك من خلال قوله تعالى:
(وهو الغفور الودود. ذو العرش المجيد. فعال لما يريد) (3) فقد أثبت تلك الصفتين الكريمتين: فقال: "وقد قرئ (المجيدُ) بالرفع (4) صفة لله، وقرئ بالخفض (5) صفة للعرش" (6) فهنا استدل بالقراءات القرآنية على إثبات صفتين كريمتين: إحداهما صفة المجد لله –سبحانه وتعالى- والأخرى إثبات صفة المجد لعرش الرحمن سبحانه وتعالى.
ومما يتضح للباحثين في منهج ذلك الإمام أنه ثابت في جميع الموضوعات وأنه يعدِّد وسائل الإثبات والإقناع، نظراً لقوته الاستدلالية من ناحية وأيضاً لاختلاف الفروق بين المتعلمين أو السائلين أو المعترضين من ناحية أخرى، وبهذا المنهج التربوي الذي سلكه سهَّل لمن تربَّى على يديه أو على كتبه طريقاً فيه أصالة في الاستدلال وهو الاستدلال بالقراءات في إثبات أمور المعتقد وهو منهج تربوي فريد.
المطلب الرابع: علوم القرآن:
¥