(التاسعة) و إن خرجت منه حصاة أو دودة لا رطوبة معها ففيه قولان أحدهما يجب الاستنجاء لأنها لا تخلو من رطوبة والثاني لا يجب وهو الأصح لأنه خارج من غير رطوبة فأشبه الريح. كذا قاسه الأصحاب وأجمع العلماء على أنه لا يجب الاستنجاء من الريح والنوم ولمس النساء والذكر وحكي عن قوم من الشيعة أنه يجب والشيعة لا يعتد بخلافهم.
(العاشرة) إذا توضأ أو تيمم قبل الاستنجاء ثم استنجى بالحجر أو بالماء لافاً على يده خرقة أو نحوها بحيث لا يمس فرجه فقد نص الشافعي رحمه الله في البويطى أنه يصح وضوءه ولا يصح تيممه.
(الحاديةعشرة) ولا يجوز أن يستنجي بيمينه لما روت عائشة رضى الله عنها قالت (كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى) صحيح رواه أحمد و أبو داود بإسناد صحيح وروى جماعة من الصحابة في النهى عن الاستنجاء باليمين: فروي أبو قتادة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أتي أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه) رواه البخاري ومسلم. قال البغوى في شرح السنة النهي عن اليمين نهي تأديب وقال الخطابي النهي عن الاستنجاء باليمين عند أكثر العلماء نهى تأديب وتنزيه وقال بعض أهل الظاهر لا يجزئه. والذى عليه جمهور الأصحاب أنه مكروه كراهة تنزيه كما ذكرنا ويؤيده قول الشافعي في مختصر المزني النهى عن اليمين أدب.
(الثانية عشرة) إذا أراد الاستنجاء في الدبر بالماء استحب أن يعتمد على أصبعه الوسطى لأنه أمكن. ذكره الماوردي وغيره ويستعمل من الماء ما يظن زوال النجاسة به.
(الثالثة عشرة) فأما غير الماء من المائعات فلا يجوز الاستنجاء به لأنه ينجس بملاقاة النجاسة فيزيد في النجاسة وما ليس بطاهر كالروث والحجر النجس لا يجوز الاستنجاء به لأنه نجس فلا يجوز الاستنجاء به كالماء النجس فان استنجى بذلك لزمه بعد ذلك أن يستنجى بالماء لأن الموضع قد صار نجسا بنجاسة نادرة فوجب غسله بالماء ومن أصحابنا من قال يجزئه الحجر لأنها نجاسة على نجاسة فلم تؤثر.
(الرابعة عشرة) وما لا يزيل العين لا يجوز الاستنجاء به كالزجاج والحممة لما روى ابن مسعود رضى الله عنه (قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد انه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة فإن الله عزَّ وجلَّ جعل لنا فيها رزقاً فنهى النبي صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود والدار قطني والبيهقي ولم يضعفه أبو داود وصححه الألباني ولأن ذلك لا يزيل النجو.
(الخامسة عشرة) وماله حرمة من المطعومات كالخبز والعظم لا يجوز الاستنجاء به لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالعظم وقال (هو زاد إخوانكم من الجن) رواه مسلم في صحيحه فإن خالف واستنجي به لم يجزئه ولأن الاستنجاء بغير الماء رخصة والرخص لا تتعلق بالمعاصي
(السادسة عشرة) اتفق أصحابنا على تحريم الاستنجاء بجميع المطعومات كالخبز واللحم والعظم وغيرها: وأما الثمار والفواكه فقسمها الماوردي تقسيما حسنا فقال: (الأول) ما يؤكل رطبا لا يابسا كاليقطين فلا يجوز الاستنجاء به رطبا ويجوز يابسا إذا كان مزيلا ومنها ما يؤكل رطبا ويابسا وهو أقسام: أحدها مأكول الظاهر والباطن كالتين والتفاح والسفرجل وغيرها فلا يجوز الاستنجاء بشئ منه رطبا ولا يابسا والثاني ما يؤكل ظاهره دون باطنه كالخوخ والمشمس وكل ذى نوى فلا يجوز بظاهره ويجوز بنواه المنفصل والثالث ماله قشر ومأكوله في جوفه كالرمان فلا يجوز الاستنجاء بلبه: وأما قشره فله أحوال أحدها لا يؤكل رطبا ولا يابسا كالرمان فيجوز الاستنجاء بالقشر وكذا استنجي برمانة فيها حبها جاز إذا كانت مزيلة (والثاني) يؤكل قشره رطبا ويابسا كالبطيخ فلا يجوز رطبا ولا يابسا (والثالث) يؤكل رطبا لا يابسا كاللوز والباقلاء فيجوز بقشره يابسًا لا رطباً: وأما ما يأكله الآدميون والبهائم فان كان أكل البهائم له أكثر جاز وان كان أكل الآدميين له أكثر لم يجز: وان استويا فوجهان من اختلاف أصحابنا في ثبوت الربي فيه هذا كلام الماوردى وذكر الروياني نحوه قال البغوي إن استنجى بما مأكوله في جوفه كالجوز واللوز اليابس كره وأجزأه فان انفصل القشر جاز الاستنجاء به بلا كراهة.
(السابعة عشرة) قال أصحابنا ومن الأشياء المحترمة التى يحرم الاستنجاء بها الكتب التي فيها شئ من علوم الشرع فان استنجي بشيء منه عالما أثم وفى سقوط الفرض الوجهان: الصحيح لا يجزئه فعلى هذا تجزئه الأحجار بعده: ولو استنجي بشيء من أوراق المصحف والعياذ بالله عالما صار كافرا مرتدا.
(السابعة عشرة) لو استنجي بقطعة ذهب أو فضة ففى سقوط الفرض به وجهان الصحيح سقوطه ولو استنجى بقطعة ديباج سقط الفرض علي المشهور. قال العجلي في شرح الوجيز ولا يجوز الاستنجاء بالذهب والفضة والجواهر النفيسة لان الكل محترم.
(السابعة عشرة) الصحيح عند الأصحاب تحريم الاستنجاء بأجزاء الحيوان في حال اتصاله كالذنب والأذن والعقب والصوف والوبر والشعر وغيرها وخالفهم الماوردى والشاشي فقالا الأصح صحة الاستنجاء لأن حرمة الحيوان في منع إيلامه لا منع ابتذاله بخلاف المطعوم والصواب ما صححه الجمهور وهو التحريم وعدم إجزائه.
(الثامنة عشرة) أما الاستنجاء بيد آدمى ففيه كلام منتشر حاصله أربعة أوجه الصحيح لا يجزيه لا بيده ولا بيد غيره وبه قطع المتولي وآخرون لأنه عضو محترم: والثاني يجزئه بيده ويد غيره حكاه الماوردى عن ابن خيران وليس بشئ: والثالث يجوز بيده ولا يجوز بيد غيره وبه قطع إمام الحرمين وغيره: (والرابع) يجزئه بيد غيره دون يده كما يسجد على يد غيره دون يده وهذا اختيار الماوردى وحكاه الفوراني عن الشيخ أبي حامد وهو ضعيف أو غلط.
(التاسعة عشرة) وإن استنجي بجلد مدبوغ: ثلاثة أقوال أصحها عند الأصحاب يجوز بالمدبوغ دون غيره وهو نصه في الأم.