تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كثيراً ما يدعي بعض طلبة العلم أن أتباع المذاهب متعصبون لأئمتهم، جامدون مقلدون ...

ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[25 - 02 - 07, 02:10 ص]ـ

كثيراً ما يدعي بعض طلبة العلم أن أتباع المذاهب متعصبون لأئمتهم، جامدون مقلدون ...

نعم! حصل كثير من ذلك، ولكن التعميم في الحكم على الناس دون تتبع وتنقيح وتمحيص بهتان وزور، ولو تتبعنا النصوص المنقولة عن عدد من أولئك المتمذهبين لوجدنا ما يدل على أن كثيراً منهم قد خالف إمامه في مسائل، ورد قوله في أخرى، وسأضرب لذلك مثلين فقط، مع أنني أجزم بوجود الكثيرمن الأمثلة -وقد قرأت منها عدداً لا يحضرني الساعة، رغبة في أن أثير الموضوع، وأن يضيف الإخوة على ما ذكرت:

1 - كان أبو حنيفة يجوز بيع الوقف والرجوع فيه

قال أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة رحمهما الله: لو بلغ أبا حنيفة حديثُ عمر لقال به، ورجع عن بيع الوقف.

2 - في حديث بروع بنت واشق .. قال شيخ الإمام الحاكم رحمهما الله: لو شهدتُ الشافعي لقمتُ على رأسه ولقلتُ له بين أصحابه: لقد صح الحديث فقل به.

خاتمة:

إذا عرفنا ذلك، فإن الاجتهاد حق لأهله المستكملين لشروطه، وليس حِكراً على مجتهد دون آخر، والناس في ذلك منقسمون إلى طرفين ووسط: فـ (الطرف الأول) مَن يرى الاجتهاد واجباً في حق كل أحد، والتقليدَ حراماً على العبد المجلوب من بلده، والعامي، والعذراء المخدّرة، والراعي في شعف الجبال، كما هو حرام على العالم المتبحر ولا فرق [1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1). أما (الطرف الآخَر) فيرى التقليد واجباً على كل أحد ولو لاح الدليل بخلاف قول المقلَّد، وأن باب الاجتهاد قد أُغلِق بعد القرون المفضَّلة. و (الفريق الوسط) في هذه القضية يرى أن المكلفين ثلاثة أصناف:

الأول: الفقيه المجتهد، وهذا يجب عليه الأخذ بما أداه إليه اجتهاده متبعاً للأدلة.

الثاني: العامي الصرف، ويجب عليه تقليد عالِم يثق بعلمه، ويحرم عليه النظر في الأدلة والاستنباط.

الثالث: من لم يبلغ رتبة الاجتهاد، لكنه يفهم الدليل، ويصلح فهمه للترجيح .. (فلا يخلو: إما أن يعتبر ترجيحه ونظره، أو لا. فإن اعتبرناه صار مثل المجتهد في ذلك الوجه، وإن لم نعتبره فلا بد من رجوعه إلى درجة العامي) [2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn2).

وغير خافٍ على عاقل ما للأخذ بقول الطرف الأول -الموجِب للاجتهاد على كل أحد- من جناية على الدين؛ إذ تصور هذا القول كافٍ لإبطاله، فبلازم ذلك تصبح الشريعة كلأً مباحاً لا حرمة له ولا هيبة، ويهدر دور العلماء في الأمة، ويطالَب الناس بتعطيل مصالحها والتفرغ للوصول لرتبة الاجتهاد.

وأما الطرف الآخر فقد تجاوز الدليلَ الشرعيَ الصحيحَ الصريحَ عنده تعصباً لقول إمام، وفي هذا سوء أدب مع القرآن العظيم والسُّنة المطهرة، لا سيما إذا علم أن الإمام المقلَّد لم يبلغه الحديث أو لم يصح عنده .. وقد أُثِر عن الأئمة أَنفُسِهم قولهم: (إذا صح الحديث فهو مذهبي).

وفي الجهة المقابلة نبتت نابتة لا تنظر في أقوال الأئمة، ولا تلقي لها بالاً، وتعُدُّ المذاهب الفقهية فِرَق ضلالة؛ فخرقوا الإجماع في مسائل، وأتوا بعجائب الأقوال التي نبَّه عليها العلماء الأوائل، والتي تعاقب المسلمون على ترك العمل بها قروناً طويلة .. ومن أين لهؤلاء –هدانا الله وإياهم- أن يفقهوا غريب آي القرآن وأحاديث رسول الله e إلا بالرجوع لكلام أئمة الإسلام الناصحين من سلف هذه الأمة. وقد ثبت عن سعيد بن أبي عروبة رحمه الله تعالى أنه قال: من لم يسمع الاختلاف فلا تعُدُّوه عالماً.

فالمذاهب الأربعة -مثلاً- مدارس لتنمية الملكات الفقهية، فإذا تأهل الدارس للاجتهاد بعد دراسة أحدها، والتفقهِ في نصوص الوحيين، وأخْذِ ما يحتاج إليه من علومٍ مصاحِبَةٍ، كان فقيهاً مجتهداً.

[/ URL] ( 1 ) انظر الإحكام في أصول الأحكام 6/ 1121.

[ URL="http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref2"] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref1) ( 2 ) انظر الاعتصام للشاطبي.

ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[26 - 02 - 07, 07:09 ص]ـ

هل من تعليق؟

ـ[حمد بن صالح المري]ــــــــ[01 - 04 - 07, 11:17 ص]ـ

أحسنتَ وبارك الله فيك، وزادك علما وفضلاً، والناسُ قديماً وحديثاً؛ وفي جلّ المسائل بين طرفي نقيضين، وهذا التطرّف هو الذي يولد الاضطراب في المسائل، وأسأقول لك القصة كاملة:

كان السلف الأول يوصون باتباع العلماء وباحترامهم وتعظيمهم؛ مع النظر في النصوص، وعرض أقوال الأئمة عليها، وهؤلاء هم المعتدلون، وبعدما دونتْ أقوال الأئمة صار بعضهم يستدل بفهم الإمام للنصّ، فظهرت جماعة تدعوا إلى الاستنباط من النصوص فقط، وإهمال آراء الأئمة بالكلية، ونبذها، وعدم الاستدلال بها، وصاروا يذكرون أخطاءهم، ويتتبعون عوراتهم، فظهر الطرف المقابل وهو نبذ الاجتهاد والنظر في النصوص، والاعتماد على أقوال الأئمة فقط، والتعصب لهم، وكلا الفريقين حاد عن جادة السلف.

أقول: لابدّ من اختيار الطريق الصحيح للعرض، وهذه هي الحكمة؛ اختيار الكلام المناسب ووضعه في مكانه المناسب.

وأجزل الله لك المثوبة والأجر أخي الفاضل على هذا الكلام المتوازن السليم ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير