حيث هو بلاغة القرآن وذلك عندما ذكر آية عظيمة الشأن تنفي وجود آلهة تستحق العبادة من دون الله من خلال ضرب الله سبحانه وتعالى. لخلقه الأمثال فقال: "فلهذا كانت الأمثال المضروبة في القرآن تُحذف منها القضية الجلية؛ لأن في ذكرها تطويلاً وعياً، وكذلك ذكر النتيجة المقصودة بعد ذكر المقدمتين (3) يُعدُّ تطويلاً، واعُتبر ذلك بقوله: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) (4) ما أحسن هذا البُرهان (5) فلو قيل بعده: وما فسدتا فليس فيهما آلهة إلا الله؛ لكان هذا من الكلام الغثّ الذي لا يناسب بلاغة التنزيل، وإنما ذلك من تأليف المعاني في العقل مثل تأليف الأسماء من الحورف في الهجاء والخط إذا علَّمنا الصَّبيَّ الخط نقول: "با" "سين" "ميم" صارت (بسم) فإذا عقل لم يصلح له بعد ذلك أن يقرأه تهجياً فيذهب ببهجة الكلام بل قد صار التأليف مستقراً" (1) فقد تبَّين من تناسب الآيات أن هذا من بلاغة القرآن الكريم وأن المعنى المقصود قد فهم واستقر في العقل.
استدلاله بالوقف والابتداء:
وذلك على إثبات معنىً أو نفيه من خلال الوقف وهو علم عظيم المعرفة واجب التطبيق حتى لا يقف المسلم على شيء من كتاب الله ويكون فيه تنقيص لمقام الألوهية أو النبوة أو الدين عموماً فاستدل من الوقف على إحدى كلمتين في آية على صحة المعنى الإيماني الذي يليق بالله – سبحانه وتعالى- حيث بين أن علم الله –سبحانه- محيط بكل شيء فقال مدللاً على ذلك: "وكذلك قوله: (قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم) (2) فقوله: (قل الله) فيها وجهان:
قيل هو جواب السائل، وقوله (شهيد) خبر مبتدأ: أي هو شهيد، وقيل: هو مبتدأ وقوله (شهيد) خبره فأغنى ذلك عن جواب الاستفهام، والأول على قراءة من يقف (3) على قوله: (قل الله) (4) والثاني على قراءة من لا يقف، وكلاهما صحيح لكن الثاني أحسن وهو أتم.
وكل أحد يعلم أن الله أكبر شهادة فلما قال: (قل أي شيء أكبر شهادة) علم أن الله أكبر شهادة من كل شيء، فقيل له: (قل الله شهيد بيني وبينكم) ولما قال: (الله شهيد بيني وبينكم) كان في هذا ما يغني عن قوله: إن الله أكبر شهادة؛ وذلك أن كون الله أكبر شهادة هو معلوم ولا يثبت بمجرد قوله: (أكبر شهادة) بخلاف كونه شهيداً بينه وبينهم، فإن هذا ممَّا يعلم بالنص والاستدلال" (5) فقد استدل الإمام ابن تيمية على إثبات شمول شهادة الله لكل شيء وعلمه المحيط بكل شيء وهذا أمر عقدي توصل لإثباته من خلال الوقف والابتداء التابع لعلوم القرآن وهذا منهج تربوي يسلكه هذا الإمام في تأصيل الجانب العقدي لدى المتعلِّمين.
وهكذا يؤصل الإمام ابن تيمية منهجه التربوي لإثبات عقيدة أهل السنة بمسالك متعددة وفي ذلك دلالة على سعته العلمية وعمق تفكيره ورؤيته الثاقبة حيث إن مثل هذه الأشياء لا يلتفت إليها –غالباً- في إثبات أمور اعتقادية لكن هذا الإمام جلاها واضحة واستدل بها أحسن استدلال في تربيته وتعليمه العقيدة
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
1 - الإمام المقرئ الصالح الزاهد إمام العربية والإقراء أبو عمرو زبان بن العلاء التميمي المازني البصري، وإمام
البصرة ومقرؤها، صاحب القراءة الشهيرة وأحد القراء العشرة المعروفين، توفي 154هـ.
2 - د. بكر أبو زيد، المداخل، ص 54 – 55، مرجع سابق.
3 - الإما، ابن تيمية، جـ12 ص569،، ينظر مجموع الفتاوى له، جـ12 ص569 –570، مرجع سابق.
4 - الإمام ابن تيمية، التفسير الكبير، جـ2 ص264، مرجع سابق.
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
- سورة الماعون الآية (4).
2 - سورة الماعون الآية (5).
3 - الإمام ابن تيمية، مجموع الفتاوى، جـ13 ص391 – 392، ص401، مرجع سابق، والتفسير الكبير له،
جـ2ص262، 271،مرجع سابق.
4 - سورة البقرة الآية (106).
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
- وقد قرأ بها ثمانية من القراء العشرة وهم:
1 - الإمام نافع المدني.
2 - الإمام ابن عامر الدمشقي.
3 - الإمام عاصم الكوفي.
4 - الإمام حمزة الكوفي.
5 - الإمام الكسائي الكوفي.
6 - الإمام أبو جعفر المدني.
7 - الإمام يعقوب البصري.
¥