[ملخص بحث حول (الحجامة للصائم)]
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[09 - 03 - 07, 09:23 ص]ـ
هذا ملخص بحث كتبته قبل قرابة ثلاث سنوات عن التفطير بالحجامة، أرجو تقييمه وتقويمه:
الاحتجام:
والقول بالفطر به من مفردات المذهب، وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وجماعة من أهل الحديث كابن المنذر وابن خزيمة والأوزاعي والدارمي وإسحاق رحمهم الله أجمعين؛ لحديث شدّاد ورافع بن خديج رضي الله عنهما مرفوعاً: (أفطر الحاجم والمحجوم) أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه.
ولكنّ أصل المذهب الاقتصار على الحجامة وعدم قياس غيرها عليها، إذ العلة غير معقولة المعنى، والأمر تعبدي لا يقاس عليه.
واختار شيخ الإسلام تعدية ذلك لكل ما كان مثل الحجامة في المعنى كفصاد أو تشريط أو أي طريقة يخرج بها الدم كالحجامة، وهو وجه في المذهب.
وذهب الجمهور إلى أن الحجامة لا تفسد الصوم؛ لحديث ابن عباس t: احتجم رسول الله r وهو محرم، واحتجم وهو صائم. البخاري وغيره. وجاء: وهو محرمٌ صائم.
ورواه البخاري في صحيحه أيضاً بلفظ: احتجم النبي r وهو صائم.
استدل الحنابلة ومن وافقهم بما يلي:
1 - حديث شداد رواه أكثر من ستة عشر صحابياً، ويؤيده عمل الصحابة من تأخيرهم الحجامة إلى الليل.
وأجيب: بأن عمل الصحابة ليس صريحاً في كونهم يرون الفطر بالحجامة، ولعل هذا التأخير إلى الليل خشية الضعف الذي يؤدي إلى الفطر ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn1)) .
2- قالوا: حديثنا قول وحديث ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - فِعل، والقول مقدم على الفعل.
وأجيب: بأن هذا ترجيح، ولا يصار إليه إلا عند عدم إمكان الجمع، وعدم ثبوت نسخ.
3 - حديث ابن عباس t أولى بالنسخ من حديثنا؛ لأنه يلزم بالقول بنسخ حديثنا مخالفة الأصل (براءة الذمة) مرتين .. لأن حديث ابن عباس t موافق لحكم الأصل.
وأجيب: بأن هذا غير مسلَّم، ثم ما الذي يمنع مثل هذا؟! .. ثم إنه معارَضٌ بقول جماعة من العلماء: أن الخبر المبقي للبراءة الأصلية مقدَّم على الرافع لها.
4 - أن لفظة: (وهو صائم) في حديث ابن عباس t ليست ثابتة، قال أحمد وغيره: هي خطأ من قبيصة.
وأجيب: بأن هذا القول من الإمام أحمد قد قابله إخراج الإمام البخاري للحديث في صحيحه المجمع على قبول ما فيه مما هو على شرطه.
5 - أن ما ذكرنا من القول بالتفطير بالحجامة موافق للقياس الصحيح من أن كل ما يخرج من البدن، ربما سبّب ضعفاً، فهو مفطر .. مثله مثل القيء وخروج دم الحيض والاستمناء.
وأجيب: بأن هذا يسقُط إن ثبتت الرخصة فيه؛ لأنه لا يصار إلى مثل هذا إذا قابل نصاً، وإلا كان قياساً فاسد الاعتبار.
وقال الجمهور:
1 - حديث شداد 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - منسوخ؛ لأنه ثبت في بعض رواياته أنه كان عام الفتح، وحديث ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في حجة الوداع إذ لم يصحب ابن عباس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - محرماً إلا فيها.
وأجيب: بأنه لا يسلَّم بدعوى النسخ؛ لأنه لم يثبت صيام رسول الله r في حجة الوداع، ولعل صيامه لم يكن حال إحرامه – كما جاء في لفظ البخاري: (احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم) – فيكون قوله: "وهو محرم صائم" من قبيل اختلاط الرواة، وتكون كل حادثة مستقلة عن الأخرى.
2 - أن حديث شداد 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - منسوخ، لأنه ثبت ما يدل على نسخه من حديث النسائي في الكبرى وابن خزيمة في صحيحه بإسناد صحيح عن أبي سعيد 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أرخص النبي r في الحجامة للصائم. وأحاديث أُخر. والرخص إنما تكون بعد العزيمة.
3 - حمل حديث شداد 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - على المجاز، لوجود الأدلة الصارفة عن حمله على الحقيقة:
أ - فقد يكون " أفطر " بمعنى ذهب أجرهما، ويؤيده بعض روايات الحديث من أنهما كانا يغتابان.
ب - وقد يكون بمعنى: عرّضا أنفسهما للفطر بهذا الفعل، أو: أوشكا أن يفطرا.
وقد قال ابن خزيمة رحمه الله: (إنما احتجم وهو محرم صائم في السفر لأنه لم يكن قط محرماً مقيماً ببلده، والمسافر إذا نوى الصوم له الفطر بالأكل والشرب والحجامة وغيرها، فلا يلزم من حجامته إنها لا تفطر، فاحتجم وصار مفطراً، وذلك جائز).
وأجاب الخطابي في " معالم السنن ": (وهذا تأويل باطل، لأنه قال: احتجم وهو صائم فأثبت له الصيام مع الحجامة، ولو بطل صومه بها لقال أفطر بالحجامة).
قال النووي في شرح المهذب: (ولأن السابق إلى الفهم من قول ابن عباس t: ( احتجم وهو صائم) الإخبار بأن الحجامة لا تبطل الصوم، ويؤيده باقي الأحاديث المذكورة. والله أعلم).
(قلت): الذي يترجح عندي أن الحجامة لا تفطر الصائم، وإن كانت مكروهة إن خشي الضعف بها، ويتأيد هذا بما ورد عند أبي داود عن ابن أبي ليلى عن رجل صحب النبي r قال: نهى النبي r عن الحجامة للصائم والمواصلة ولم يحرِّمهما إبقاءً على أصحابه. قال الحافظ: (وإسناده صحيح).والله أعلم.
وأما الحاجم، وهو الذي يمص الدم بواسطة القارورة، فقد قال شيخ الإسلام في شرح العمدة: (وأما الذي يحجم غيره، فقال أكثر أصحابنا: يفطر أيضاً).
ويظهر أن هناك خلافاً داخل المذهب في حق الحاجم، ولعل المشهور عندهم: أنه يفطر؛ لظاهر الحديث، وبناءً على اعتبارهم أن إفطار الحاجم والمحجوم أمر تعبدي لا دخل للقياس فيه.
ولا يصح قياس الدم الخارج من خلع سن أو خروج الرعاف أو خروج الدم من الجراحة أو سحب الدم اليسير للتحليل أو خروج دم الاستحاضة على الحجامة؛ لأن تأثيرها على البدن ليس كتأثير الحجامة، بخلاف الفصاد والتبرع بالدم ونحوه.
(1) يؤيد ذلك أنه عندما سئل أنس t : أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف. البخاري
¥