تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والذي يدل على ذلك أن الذين قالوا: يسلم منه، إنما احتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم "وتحليلها التسليم" وبذلك احتج لهم إسحاق، وهذا استدلال ضعيف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعلوها، ولم ينقل عنهم سلام منها، ولهذا أنكره أحمد وغيره، وتجويز كونه سلم منه ـ ولم ينقل ـ كتجويز كونه سلم من الطواف.

قالوا: والسجود هو من جنس ذكر الله وقراءة القرآن والدعاء، ولهذا شرع في الصلاة وخارجها، فكما لا يشترط الوضوء لهذه الأمور ـ وإن كانت من أجزاء الصلاة ـ فكذا لا يشترط للسجود، وكونه جزءاً من أجزائها لا يوجب أن لا يفعل إلا بوضوء. واحتج البخاري بحديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم "سجد بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس". ومعلوم أن الكافر لا وضوء له.

قالوا: وأيضاً فالمسلمون الذين سجدوا معه صلى الله عليه وسلم لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالطهارة، ولا سألهم: هل كنتم متطهرين أم لا؟ ولو كانت الطهارة شرطاً فيه للزم أحد الأمرين: إما أن يتقدم أمره لهم بالطهارة، وإما أن يسألهم بعد السجود، ليبين لهم الاشتراط، ولم ينقل مسلم واحداً منهما.

فإن قيل: فلعل الوضوء تأخرت مشروعيته عن ذلك، وهذا جواب بعض الموجبين.

قيل: الطهارة شرعت للصلاة من حين المبعث، ولم يصل قط إلا بطهارة، أناه جبريل فعلمه الطهارة والصلاة. وفي حديث إسلام عمر أنه لم يمكن من مس القرآن إلا بعد تطهره، فكيف نظن أنهم كانوا يصلون بلا وضوء؟.

قالوا: وأيضاً فيبعد جداً أن يكون المسلمون كلهم إذ ذاك على وضوء.

قالوا: وأيضاً ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن، فيقرأ السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه، حتى ما يجد بعضنا موضعاً لمكان جبهته".

قالوا: وقد كان يقرأ القرآن عليهم في الجامع كلها، ومن البعيد جداً أن يكون كلهم إذ ذاك على وضوء، وكانوا يسجدون حتى لا يجد بعضهم مكاناً لجبهته، ومعلوم أن مجامع الناس تجمع المتوضىء وغيره.

قالوا: وأيضاً فقد أخبر الله تعالى في غير موضع من القرآن أن السحرة سجدوا لله سجدة، فقبلها الله منهم، ومدحهم عليها، ولم يكونوا متطهرين قطعاً، ومنازعونا يقولون: مثل هذا السجود حرام، فكيف يمدحهم ويثنى عليهم بما لا يجوز؟

فإن قيل: شرع من قبلنا ليس بشرع لنا.

قيل: قد احتج الأئمة الأربعة بشرع من قبلنا، وذلك منصوص عنهم أنفسهم في غير موضع.

قالوا: سلمنا، لكن ما لم يرد شرعنا بخلافه.

قال المجوزون: فأين ورد في شرعنا خلافه؟

قالوا: وأيضاً فأفضل أجزاء الصلاة وأقوالها هو القراءة، ويفعل بلا وضوء، فالسجود أولى.

قالوا: وأيضاً فالله سبحانه وتعالى أثنى على كل من سجد عند التلاوة، فقال تعالى {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً} وهذا يدل على أنهم سجدوا عقب تلاوته بلا فضل، سواء كانوا بوضوء أو بغيره، لأنه أثنى عليهم بمجرد السجود عقب التلاوة، ولم يشترط وضوءاً. وكذلك قوله تعالى {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً}.

قالوا: وكذلك سجود الشكر مستحب عند تجدد النعم المنتظرة. وقد تظاهرت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بفعله في مواضع متعددة، وكذلك أصحابه، مع ورود الخبر السار عليهم بغتة، وكانوا يسجدون عقبة، ولم يؤمروا بوضوء، ولم يخبروا أنه لا يفعل إلا بوضوء. ومعلوم أن هذه الأمور تدهم العبد وهو على غير طهارة فلو تركها لفاتت مصلحتها.

قالوا: ومن الممتنع أن يكون الله تعالى قد أذن في هذا السجود وأثنى على فاعله وأطلق ذلك، وتكون الطهارة شرطاً فيه، ولا يسنها ولا يأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ولا روي عنه في ذلك حرف واحد. وقياسه على الصلاة ممتنع لوجهين:

أحدهما: أن الفارق بينه وبين الصلاة أظهر وأكثر من الجامع، إذ لا قراءة فيه ولا ركوع، لا فرضاً ولا سنة، ثابتة بالتسليم. ويجوز أن يكون القارىء خلف الإمام فيه، ولا مصافة فيه. وليس إلحاق محل النزاع بصور الاتفاق أولى من إلحاقه بصور الافتراق.

الثاني: أن هذا القياس إنما يمتنع لو كان صحيحاً إذا لم يكن الشيء المقيس قد فعل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تقع الحادثة، فيحتاج المجتهد أن يلحقها بما وقع على عهده صلى الله عليه وسلم من الحوادث أو شملها نصه، وأما مع سجوده وسجود أصحابه وإطلاق الإذن في ذلك من غير تقييد بوضوء، فيمتنع التقييد به.

فإن قيل: فقد روى البيهقي من حديث الليث عن نافع عن ابن عمر أنه قال: "لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر" وهذا يخالف ما رويتموه عن ابن عمر، مع أن في بعض الروايات: "وكان ابن عمر يسجد على وضوء" وهذا هو اللائق به، لأجل رواية الليث.

قيل: أما أثر الليث فضعيف.

وأما رواية من روى "كان يسجد على وضوء" فغلط، لأن تبويب البخاري واستدلاله قوله "والمشرك ليس له وضوء" يدل على أن الرواية بلفظ "غير" وعليها أكثر الرواة. ولعل الناسخ استشكل ذلك، فظن أن لفظه "غير" غلط فأسقطها، ولاسيما إن كان قد اغتر بالأثر الضعيف المروي عن الليث، وهذا هو الظاهر، فإن إسقاط الكلمة للاستشكال كثير جداً، وأما زيادة "غير" في مثل هذا كالموضع فلا يظن زيادتها غلطاً، ثم تتفق عليها النسخ المختلفة أو أكثرها))

ورجح السمعاني في السبل أنه لا يشترط لها طهارة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير