وصورة القول الثالث هي: أن يطلب المشتري من البائع سيارة موصوفة في الذمة، كأن يقول: " أريد أن أشتري سيارة نوع (مرسيدس موديل 2000) لون أبيض مع كامل الإضافات " بمواصفات معينة ومحددة ودقيقة يعرفها أهل الخبرة في السيارات والتي أصبحت مشهورة في زماننا، وليست هذه السيارة عند البائع، ولا يغلب وجود هذه السيارة في السوق، فقد يجدها البائع وقد لا يجدها فيبيعه إياها، ثم يذهب إلى شركات السيارات ومعارضها ليشتريها، ويسلمها للمشتري0
وعليه فإننا إذا عدنا إلى القول الأول تبين لنا من خلاله أنه ليس مقصوداً من النهي في الحديث، ومنطوقة يدل على ذلك،فإن الطالب لم يكن يأتي حكيم بن حزام يطلب سلعة معينة هي ملك فلان من الناس، وإنما كان يطلب ثوباً أو طعاماً من جنس الثياب والطعام ولم يطلب شيئاً معيناً، وهذا الذي يفعله من يفعله من الناس، ولهذا قال: يأتيني الرجل فيسألني البيع ليس عندي " أي يسألني المبيع، ولم يقل يطلب منى ما هو مملوك لغيري () وأما القول الثاني المتعلق بالحديث فليس صحيحاً التفريق بين السلم الحال والمؤجل، فإذا جاز السلم المؤجل فإن السلم الحال يجوز من باب أولى ()
فإذا كان المسلم فيه مقدوراً على تسليمه عادة، فإنه يجوز بيعه، سواء أكان سلماً حالاً أو مؤجلاً، وليس هذا مقصوداً من النهي في الحديث كذلك، لجوازه بالنص الصحيح الصريح 0
فإذا ثبت لدينا أن القول الأول غير مقصود من الحديث، وكذلك القول الثاني، لما أوردت من الأدلة، فيبقي القول الثالث هو المقصود من الحديث، وهو أن " بيع ما ليس عند الإنسان يعني ما هو موصوف في الذمة، مما لا يملكه، ولا يقدر على تسليمه0
المسألة الثالثة: الفرق بين السلم الحال وبيع ماليس عند البائع
قبل ذكر الفرق بين السلم الحال وبيع ماليس عند البائع لابد من ذكر حكم السلم الحال 0
-وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حكم السلم الحال على قولين:
القول الأول:- ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى عدم صحة السلم الحال، واشترطوا أن يكون المسلم فيه مؤجلاً فلا يصح السلم الحال ()، وحجتهم في اشتراط الأجل
1 - قوله صلى الله عليه وسلم: " من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " فأمر عليه الصلاة والسلام بالأجل في السلم، وأمره يقتضي الوجوب، فيكون الأجل من جملة شروط صحة السلم، فلا يصح بدونه 0
2 - ولأن السلم جوز رخصة للرفق، ولا يحصل الرفق إلا بالأجل، فإذا انتفى الأجل انتفى الرفق، وذلك لأن المسلف يرغب في تقديم الثمن لا سترخاص المسلم فيه، والمسلم إليه يرغب فيه لموضع النسيئة، وإذا لم يشترط الأجل زال هذا المعنى ()
قال القاضي عبد الوهاب (): " ولأن السلم معناه السلف، وهو أن يتقدم رأس المال ويتأخر المسلم فيه، فوجب منع ما أخرجه من ذلك " ()
3 - ولأن السلم الحال يفضي إلى المنازعة، لأن السلم بيع المفاليس، فالظاهر أن يكون المسلم إليه عاجزاً عن تسليم المسلم فيه، ورب السلم يطالب بالتسليم، فيتنازعان على وجه تقع فيه الحاجة إلى الفسخ، وفيه إلحاق الضرر برب السلم، لأنه سلم رأس المال إلى المسلم إليه وصرفه في حاجته، فلا يصل إلى المسلم فيه ولا إلى رأس المال، فشرط الأجل حتى لا يملك المطالبة إلا بعد حلول الأجل، وعند ذلك يقدر على التسليم ظاهراً، فلا يؤدي إلى المنازعة المفضية إلى الفسخ والإضرار برب السلم ()
القول الثاني:-ذهب الشافعية إلي جواز السلم الحال كما هو جائز مؤجلاً، وحجتهم على صحة كون المسلم فيه حالاً، القياس الأولوى على السلم المؤجل ()، قال الشيرازي: " لأنه إذا جاز مؤجلاً، فلإن يجوز حالاً، وهو عن الغرر أبعد، أولى " () ومرادهم أن في الأجل ضرباً من الغرر، إذ ربما يقدر المسلم إليه على تسليمه في الحال، ويعجز عند حلول الأجل، فإذا جاز السلم مؤجلاً، فهو حالاً أحرى بالجواز، لأنه أبعد عن الغرر0
¥