" والعندية " أعم من الدين والوديعة، وأعم من الحضرة الحسية كذلك، فقد يكون الشئ عند الإنسان رهناً أو لقطة، أو مالاً محرزاً ليس في حضرته الحسية، ولا يدرك بالحواس، بل قد يكون في حرز مثله، كمستودعاته مثلاً. وقد يكون الشئ في حضرة الإنسان وحفظه ولا يملكه، كأن يكون مملوكاً لغيره، فلا يجوز بيعه. وقد لا يكون في حضرته ولا في حفظه، ويملكه، كأن يكون وديعة أو ديناً أو مغصوباً عند غيره، فيجوز له بيعه، مما يدل على أن ما ليس عند الإنسان لا يعني ما ليس في حفظه.
ثانياً:- ماليس مملوكاً للبائع، سواء أكان مباحاً غير مملوك في نفسه، أو هو ملك الغير وليس ملك البائع، وهذا محل اتفاق عند فقهاء المذاهب الأربعة ().
فظرف المكان هنا يشير إلى الملك، ولقد اعتاد الناس التعبير عما يملكونه بقولهم: " عندنا " وكذلك هو مقصود في لغة العرب، فعندما تقول: عندي بيت، وأثاث، وطعام، ونقود، فإن هذا الكلام يدل على أن هذه الأشياء ملك لك.
والمراد بما ليس مملوكاً هنا العين دون الدين، كما في السلم، فإن مداره على الصفة، وبيع ذلك جائز فيما ليس عند الإنسان بالإجماع ().
وفي معنى ما ليس عنده في الفساد بيع العبد الآبق وبيع المبيع قبل القبض وفي معناه بيع مال غيره بغير إذنه لأنه لا يدري هل يجيزه مالكه أم لا؟ ().
المسألة الثانية: حكم بيع ما ليس عند البائع
جاء النهي صريحاً عن بيع ما ليس عند البائع كما في حديث حكيم بن حزام السابق والنهي يقتضي التحريم ونقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية – رحمه الله تعالى – أقوالاً حول معنى: (لا تبع ماليس عندك) هي:-
1 - المراد بذلك أن يبيع السلعة المعينة التي هي مال الغير ومملوكة له، ثم يتملكها بشرائها، ويسلمها للمشتري، والمعنى لا تبع ما ليس عندك من الأعيان
2 - أن يبيع سلعة من نحو طعام وثياب ثم يحصلها من عند غيره إذا لم تكن عنده، وطالبها طلب الجنس ولم يطلب شيئاً معينا، ولذلك ذهب الإمام أحمد وطائفة إلى أن الحديث على عمومه يقتضي النهي عن بيع ما في الذمة إذا لم يكن عنده، وهذا في السلم الحال، ورخصت الأحاديث في السلم المؤجل.
3 - يراد به بيع ما في الذمة مما ليس مملوكاً له، ولا يقدر على تسليمه، ويربح فيه قبل أن يملكه، ويضمنه، ويقدر على تسليمه، ولم يرد النهي عن السلم الحال ولا المؤجل مطلقاً، وهذا أظهر الأقوال. ومما يؤيد هذا أن السائل سأل عن بيع شئ مطلق في الذمة حالاً، فلو كان السلف الحال لا يجوز مطلقاً، لقال له ابتداء: لا تبع هذا سواء أكان عنده أم ليس عنده، فلما لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مطلقاً، بل قال: " لا تبع ما ليس عندك " علم أنه فرق بين ماهو عنده ويملكه ويقدر على تسليمه، وما ليس كذلك، وإن كان كلاهما في الذمة والقول الثالث هو الصواب عند ابن القيم.
وأوضح أقوال ابن تيميةمن خلال صور البيوع التالية:-
صورة القول الأول هي: أن يبيع سيارة معينة بذاتها مملوكة لمحمد، ثم يذهب إلى محمد فيشتريها منها ويمتلكها، ثم يسلمها للمشتري.
وصورة القول الثاني هي: أن يطلب منه سيارة من جنس السيارات ليشتريها، ثم يذهب البائع ليحصل هذه السيارة من غيره إذا لم تكن عنده، بعد أن يبيعه إياها.
وصورة القول الثالث هي: أن يطلب المشتري من البائع سيارة موصوفة في الذمة، كأن يقول: " أريد أن أشتري سيارة نوع (مرسيدس موديل 2000) لون أبيض مع كامل الإضافات " بمواصفات معينة ومحددة ودقيقة يعرفها أهل الخبرة في السيارات والتي أصبحت مشهورة في زماننا، وليست هذه السيارة عند البائع، ولا يغلب وجود هذه السيارة في السوق، فقد يجدها البائع وقد لا يجدها فيبيعه إياها، ثم يذهب إلى شركات السيارات ومعارضها ليشتريها، ويسلمها للمشتري0
¥