تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[17 - 05 - 07, 07:50 ص]ـ

و من (الإقعاء بين السجدتين)

• قوله رحمه الله (ص: 152): و " كان – أحياناً – يقعي؛ [ينتصب على عقبيه و صدور قدميه] ".اهـ

و في التعليق رقم (1) قوله: و قد عمل بهذه السنة – يعني الإقعاء – جماعة من الصحابة و التابعين و غيرهم ... و هذا غير الإقعاء المنهي عنه كما سيأتي في جلسة التشهد.

و في (جلسة التشهد) ذكر رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " نهاني خليلي صلى الله عليه و سلم عن إقعاء كإقعاء الكلب " و حديث عائشة رضي الله عنها: " كان ينهى عن عقبة الشيطان ".

و قال في التعليق رقم (2):

و (الإقعاء)؛ قال أبو عبيدة و غيره: " هو أن يلزق الرجل أليتيه بالأرض و ينصب ساقيه، و يضع يديه بالأرض كما يقعي الكلب "

قال: و هذا غير الإقعاء المشروع بين السجدتين كما تقدم هناك.اهـ

قلت: هذا غريب من الشيخ الألباني رحمه الله؛ أن يقدم قول أبي عبيدة على قول أئمة الحديث و الفقه.

ففي (المدونة) – كما في " التاج و الإكليل " -: قال مالك: ما أدركت أحدا من أهل العلم إلا و هو ينهى عن الإقعاء في الصلاة و يكرهه، و هو أن يرجع على صدور قدميه في الصلاة. ابن يونس: قول مالك هذا أبين من قول أبي عبيدة.اهـ

و في " مسائل الإمام أحمد و إسحاق" للكوسج (2/ 514): قلت: ما الإقعاء؟ قال: أن يضع أليتيه على عقبيه، و أهل مكة يفعلون ذلك.اهـ

و في " كشاف القناع " للبهوتي (3/ 73): (وهو) أي الإقعاء (أن يفرش قدمه , ويجلس على عقيبه) كذا فسره الإمام أحمد واقتصر عليه في " المغني " و " المقنع " و " الفروع ". قال أبو عبيد: هذا قول أهل الحديث، فأما عن العرب فهو جلوس الرجل على أليتيه , ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب. قال في المغني: لا أعلم أحداً قال بتفسير الإقعاء على هذه الصفة.اهـ

و قال الخطابي في " غريب الحديث " (2/ 434): و الإقعاء أن يضع وركيه على عقبيه و يعتمد بيديه على ركبتيه.اهـ

قلت: مع أن القول في هذا قول أهل الحديث، لأنهم أدرى من غيرهم بمدلولات الكلم النبوي، إلا أن هذا الإختلاف بين الفريقين إنما هو اختلاف لفظي. فعلماء الحديث و الفقهاء لا يرون فرقاً بين الإقعاء و عقب الشيطان. و يرون أن أحدهما مجمل و الآخر مبيّن. و أما علماء اللغة فيرون أن الإقعاء غير عقب الشيطان. ففي " غريب الحديث " (1/ 210):

و قال [أبو عبيد]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن الإقعاء في الصلاة. قال أبو عبيدة: الإقعاء جلوس الرجل على أليتيه ناصباً فخذيه مثل إقعاء الكلب و السبع. قال أبو عبيد: و أما تفسير أصحاب الحديث فإنهم يجعلون الإقعاء أن يضع أليتيه على عَقِبَيه بين السجدتين و هذا عندي هو الحديث الذي فيه: " عَقِبُ الشيطان " الذي جاء فيه النهي عن النبي أو عن عمر أنه نهى عن عَقِب الشيطان.اهـ

و في " النهاية " لابن الأثير (3/ 526): و فيه [أنه نَهى عن عَقِب الشيطان في الصلاة] و في رواية [عن عُقْبَة الشيطان] هو أن يَضَع ألْيتيه على عَقِبَيه بين السَّجدَتين و هو الذي يجعَلُه بعضُ الناس الإقْعاءِ.اهـ و يعني بهم أصحاب الحديث و جمهور الفقهاء.

فالنهي ثابت سواء على تعريف المحدثين أو على تعريف أهل اللغة.

فإن قلت: قد روى مسلم و غيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الإقعاء: " هي سنة نبيّك صلى الله عليه و سلم "

و البيهقي بسند حسن - كما قال الشيخ الألباني رحمه الله - عن أبي الزبير: " أنه رآى عبد الله بن عمر إذا سجد حين يرفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه و يقول إنه من السنة ".

فالجواب: أن حديث ابن عمر بهذا اللفظ الذي حسنه الألباني رحمه الله منكر؛ لأنه من رواية: سعيد بن أبي هلال عن محمد بن عجلان، و كلاهما صدوق لا يُعتَمَد على ما ينفرد به، فكيف و قد اجتمعا معاً؟

و يرده ما رواه عبد الرزاق (3044) بإسناد صحيح عن المغيرة بن حكيم: " أنه رأى ابن عمر تربع في سجدتين من الصلاة على صدور قدميه، فذكر ذلك له، فقال: إنها ليست من سنة الصلاة، و لكني أفعل ذلك من أجل أني اشتكي ".اهـ

كما أن قوله " من السنة " لا يلزم منه أن يكون ذلك من سنة الصلاة، بدليل أنه لم يُذكر في أيّ حديث فيه صفة صلاته صلى الله عليه و سلم، مع ما في حديث بعض الصحابة من التفصيل الدقيق في الوصف.

فالحديث لا يدل إلا على أن ذلك قد وقع منه صلى الله عليه و سلم. و هذا الفعل قد عارضه ما هو أقوى منه و هو نهيه. و الجمع بينهما إما بحمل النهي على الكراهة، أو بترجيح السنة القولية على الفعلية كما هو مقرر في الأصول؛ فيحمل الفعل على حالة العذر. و يؤيد هذا ما رواه الإمام مالك في " موطإ محمد " برقم (154) عن المغيرة بن حكيم قال: رأيت ابن عمر يجلس على عقبيه بين السجدتين في الصلاة فذكرت له فقال: إنما فعلته منذ اشتكيت.اهـ

قال ابن عبد البر رحمه الله في " التمهيد " (16/ 275): أما عبدالله بن عمر فقد صح عنه أنه لم يكن يقعي إلا من أجل أنه كان يشتكي على ما في حديثنا المذكور في هذا الباب، و قال: " أنها ليست سنة الصلاة "، وحسبك بهذا. وقد جاء عنه أنه قال: " إن رجلي لا تحملاني ". ويمكن أن يكون الإقعاء من ابن الزبير كان أيضا لعذر؛ وقد ذكر حبيب بن أبي ثابت أن ابن عمر كان يقعي بعد ما كبر. وهذا يدل على أن ذلك كان منه لعذر (يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم)، ويمكن أن يكون ذلك من أجل أن اليهود كانوا قد فدعوا يديه ورجليه بخيبر فلم تعد كما كانت والله أعلم.اهـ

روى عبد الرزاق (3024) عن معمر قال: " سألت عطاء الخراساني وأيوب عن الرجل يقعي إذا رفع رأسه من المسجد- أي السجدة- حتى يسجد الأخرى؟ فقال أيوب: كان الحسن و ابن سيرين لا يقعيان. قال عطاء: كذلك كنا نسمع، حتى جاءنا أهل مكة بغير ذلك ".اهـ

و الخلاصة: فإن الإقعاء بصورتيه منهي عنه مكروه بالنص، سواء على تفسير أهل اللغة أو على تفسير أهل الحديث.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير