«ذكر عندها ما يقطع الصلاة؛ الكلب و الحمار و المرأة. فقالت: شبهتمونا بالحمر و الكلاب!؟ و الله لقد رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يصلي، و إني على السرير بينه و بين القبلة مضطجعة، فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي النبي صلى الله عليه و سلم فأنسل من عند رجليه»
هذا الحديث أخرجه الشيخان و غيرهما، و الظاهر أن من بلّغ عائشة رضي الله عنها لم ينسب شيئا مما يقطع الصلاة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم. ففي " التمهيد " لابن عبد البر (21/ 166) عن القاسم أن عائشة بلغها أن أبا هريرة يقول: " إن المرأة تقطع الصلاة ". و في " مصنف " عبد الرزاق (2365) و " الآثار " لأبي يوسف (236) عن إبراهيم النخعي أن عائشة قالت: " قرنتمونا يا أهل العراق بالكلب و الحمار؟!! ". قال الحافظ في " الفتح " (1/ 589): و كأنها أشارت بذلك إلى ما رواه أهل العراق عن أبي ذر و غيره في ذلك مرفوعا.اهـ قلت: يستبعد أن يكون بلغها شيء مرفوع. و في صحيح مسلم (1170) عن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة: ما يقطع الصلاة؟ قال: فقلنا: المرأة و الحمار! .. و الظاهر أن عروة لم يكن ممن قالوا ذلك، و إنما هم جماعة من أهل الكوفة؛ ففي مسند أبي حنيفة (1/ 53 - شرح الملا علي قاري) عن الأسود أنه سأل عائشة عما يقطع الصلاة؟ فقالت: يا أهل العراق تزعمون الحمار و الكلب و السنور يقطعون الصلاة ... إلخ.
و قد وجدت في مسند الطيالسي (1550) ما يشهد لما ذكرت؛ فعن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة: ما تقولون؟ ما يقطع الصلاة؟ قال: فقالوا: الكلب و الحمار و المرأة ... إلخ. و هذا صريح في أن عروة لم يكن من القائلين و إن كان معهم!
قال ابن عبد البر في " الإستذكار " (2/ 85): فسقط بهذا الحديث أن تقطع المرأة بمرورها صلاة من تمر بين يديه! قال: و معلوم أن اعتراضها بين يدي المصلي أشد من مرورها.اهـ
و قد تجاسر بعض الناس فاستدرك على عائشة رضي الله عنها و قال إنما كلامها في قرار المرأة و ليس فيه مرورها! و بالتالي فلا يصلح أن يُعارَض به حديث أبي ذر رضي الله عنه و غيره.
و هذا مما يقضي به العجب، إذ كيف فهم هؤلاء مراد النبي صلى الله عليه و سلم من الحديث و لم تفهمه عائشة رضي الله عنها!؟!
ألا يخجل من يعترض بمثل هذا الكلام! ليت هؤلاء وقفوا حيث وقف الإمام ابن شهاب؛ ففي صحيح البخاري (493) سأله ابن أخيه: " عن الصلاة يقطعها شيء؟ فقال: لا يقطعها شيء! أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم ... و ذكر حديثها "
و كذلك الأمر بالنسبة للإمام الشافعي كما في " اختلاف الحديث " (1/ 97)، و الإمام أحمد كما في " مسائل ابنه " (2/ 641). و في " مسائل الإمام أحمد " رواية ابنه (ص 53): " أن الإمام أحمد قال: أما المرأة فأذهب إلى حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي و أنا معترضة بين يديه.اهـ
قال الحافظ ابن رجب (3/ 353): و هذا هو جادة مذهب أحمد و أصحابه.اهـ
قال الباجي رحمه الله في " المنتقى " (1/ 271): و قولها: «فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما» - مع كونها معترضة بين يديه - فيه معنى المرور بين يدي المصلي لزوالها عن قبلته مرة و رجوعها إليها ثانية لتبين أن ذلك لا يقطع الصلاة.اهـ
قلت: قد روى الإمام أحمد أبين من هذا في " مسنده " (25451) بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أكون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو يصلي، فإذا أردت أن أقوم كرهت أن أمر بين يديه فانسل انسلالا».
و في هذا بيان أن كراهة مرورها ليس من أجل أنه يقطع الصلاة، بدليل مناسبة الحديث، و لكن من أجل التحرج من الوعيد الوارد في حديث أبي الجهم الذي فيه: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه». و لذلك نسبت الكراهة إلى نفسها.
جمع الروايات عن عائشة رضي الله عنها و تحريرها:
اختلفت الرواية عن عائشة رضي الله عنها؛
ففي الصحيحين - كما مر - تنفي أن تكون المرأة تقطع الصلاة.
¥