و روى الإمام أحمد (2222) عن علي بن عاصم أنا أبو المعلى العطار ثنا الحسن العرني قال: ذكر عند ابن عباس " يقطع الصلاة الكلب و الحمار و المرأة " قال: «بئسما عدلتم بامرأة مسلمة كلبا و حمارًا! لقد رأيتني أقبلت على حمار، و رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس، حتى إذا كنت قريبا منه مستقبله، نزلت عنه و خليت عنه، و دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته، فما أعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته، و لا نهاني عما صنعت»
و علي بن عاصم، قال عنه الحافظ في " التقريب " (2/ 403): صدوق يخطيء.
و خلاصة ما وقع لنا من الروايات:
أن النبي - صلى الله عليه و سلم - صلى إلى غير سترة.
و أن ابن عباس رضي الله عنهما مر بين يديه بحماره، قريبا منه.
جمع الروايات عن ابن عباس رضي الله عنهما و تحريرها:
قد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما آثار مختلفة:
ففي " سنن " النسائي (751) من طريق هشام عن قتادة قال: قلتُ لجابر بن زيد: ما يقطع الصلاة؟ قال: كان ابن عباس يقول: " المرأة الحائض و الكلب ".
و في " المصنف " لعبد الرزاق (2354): عن ابن التيمي (يعني معتمر بن سليمان) عن أبيه عن عكرمة و أبي الشعثاء عن ابن عباس قال: " تقطع الصلاة المرأة الحائض، و الكلب الأسود ".
و رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " (2902) عن معتمر بن سليمان عن سالم عن قتادة عن ابن عباس، مثله. و هذا إسناده منقطع.
و في " مصنف " عبد الرزاق (2352) عن ابن عيينة عن عبد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس: " يقطع الصلاة الكلب، و الخنزير، و اليهودي، و النصراني، و المجوسي، و المرأة الحائض ". و هذا إسناد صحيح رجاله رجال الشيخين، إلا أن لفظه شاذّ.
و الصحيح أن ذلك من كلام عكرمة كما في مصنف ابن أبي شيبة (2904).
و روى ابن أبي شيبة (8760) و عبد الرزاق (2360) و الطحاوي في " شرح معاني الآثار " (2437) و البيهقي في " الكبرى " (3328 و 3329) و في " المعرفة " (1131) كلهم من طريق سفيان الثوري عن سماك عن عكرمة قال: قيل لابن عباس: أيقطع الصلاة المرأة و الكلب و الحمار؟ فقال: «إليه يصعد الكلم الطيب، و العمل الصالح يرفعه، فما يقطع هذا، و لكن يكره»
قلت: قوله " يكره " يعني المرور بين يدي المصلي. و عليه، فإن الكراهة لا تقتصر على ما ذكر. و قد أخرج الإمام أحمد (2222) و ابن ماجة (953) عن الحسن العرني قال: " ذكر ابن عباس ما يقطع الصلاة؛ فذكروا الكلب و الحمار و المرأة. فقال: ما تقولون في الجدي؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي يوما، فذهب جدي يمر بين يديه، فبادره رسول الله صلى الله عليه و سلم القبلة! "
و لفظ أحمد: " قال ابن عباس: أفلا تقولون الجدي يقطع الصلاة؟! "
قال في " الزوائد ": إسناده صحيح إلا أنه منقطع. قلت: لأن الحسن العرني، قال أحمد: لم يسمع من ابن عباس.
و له شاهد رواه الطبراني في " الكبير " (11937) قال:
حدثنا إبراهيم بن صالح الشيرازي ثنا عمرو بن حكام ثنا جرير بن حازم عن الزبير بن الخريت و يعلى بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال:
«بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذ جاءت شاة تسعى بين يديه فساعاها حتى ألزق بطنه بالحائط»
قال في " الزوائد " (2/ 200): رواه الطبراني في الكبير، و فيه: عمرو بن حكام و هو ضعيف.اهـ قلت: إنما تكلموا في روايته عن شعبة خاصة. قال أبو حاتم كما في " الجرح و التعديل " (6/ 227): هو شيخ، ليس بالقوي، لين، يكتب حديثه. يعني يستشهد به. و الله تعالى أعلم.
هذا، و مما يُستغرب من كلام ابن حزم؛ قوله في " المحلى " (4/ 15): واحتج بعض المخالفين بقول الله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه) قال: فما يقطع هذا؟. قال علي (ابن حزم): يقطعه عند هؤلاء المشغبين قبلة الرجل امرأته و مسه ذكره و أكثر من قدر الدرهم البغلي من بول، و يقطعه عند الكل رويحة تخرج من الدبر! اهـ
قلت: ليس مستغربا هذا التهكم بالأئمة من ابن حزم، إنما المستغرب أن لا يدري أن الكلام الذي نسبه لبعض مخالفيه، إنما هو لابن عباس حبر الأمة و ترجمان القرآن! و مع ذلك فقد أبان ابن حزم رحمه الله عن ذهول عريض بأصول الأئمة رحمهم الله. و ما ذكره من أمثلة إنما هي أحداث تتعلق بالمصلي و لا وجه لإيرادها في هذا المقام. قال الإمام الشافعي: و قضاء الله أن لا تزر وازرة وزر أخرى، و الله أعلم، يدل على أنه لا يبطل عمل رجل عمل غيره، و أن يكون سعي كل لنفسه و عليها، فلما كان هذا هكذا، لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة غيره.اهـ من كتاب " المعرفة " للبيهقي (3/ 330)
و لذلك قال الحافظ في " الفتح " (1/ 588): قوله باب من قال: " لا يقطع الصلاة شيء " أي مِنْ فِعْلِ غَيْرِ المُصَلِّي.اهـ
¥