تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ألا يخجل من يعترض بمثل هذا الكلام! ليت هؤلاء وقفوا حيث وقف الإمام ابن شهاب؛ ففي صحيح البخاري (493) سأله ابن أخيه: " عن الصلاة يقطعها شيء؟ فقال: لا يقطعها شيء! أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم ... و ذكر حديثها "

و كذلك الأمر بالنسبة للإمام الشافعي كما في " اختلاف الحديث " (1/ 97)، و الإمام أحمد كما في " مسائل ابنه " (2/ 641). و في " مسائل الإمام أحمد " رواية ابنه (ص 53): " أن الإمام أحمد قال: أما المرأة فأذهب إلى حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي و أنا معترضة بين يديه.اهـ

قال الحافظ ابن رجب (3/ 353): و هذا هو جادة مذهب أحمد و أصحابه.اهـ

قال الباجي رحمه الله في " المنتقى " (1/ 271): و قولها: «فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما» - مع كونها معترضة بين يديه - فيه معنى المرور بين يدي المصلي لزوالها عن قبلته مرة و رجوعها إليها ثانية لتبين أن ذلك لا يقطع الصلاة.اهـ

قلت: قد روى الإمام أحمد أبين من هذا في " مسنده " (25451) بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أكون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو يصلي، فإذا أردت أن أقوم كرهت أن أمر بين يديه فانسل انسلالا».

و في هذا بيان أن كراهة مرورها ليس من أجل أنه يقطع الصلاة، بدليل مناسبة الحديث، و لكن من أجل التحرج من الوعيد الوارد في حديث أبي الجهم الذي فيه: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه». و لذلك نسبت الكراهة إلى نفسها.

جمع الروايات عن عائشة رضي الله عنها و تحريرها:

اختلفت الرواية عن عائشة رضي الله عنها؛

ففي الصحيحين - كما مر - تنفي أن تكون المرأة تقطع الصلاة.

و روى ابن الجعد في " مسنده " (164) و ابن أبي شيبة في " مصنفه " (2890) و السراج في " مسنده " (415) عن شعبة عن الحكم عن خيثمة عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: «لا يقطع الصلاة شيء إلا الكلب الأسود!»

و روى عبد الله بن أحمد في "مسائله " و الفاكهي في " أخبار مكة " (1177) من طريق شعبة قال: سمعت عبد الرحمن بن سعيد قال: سمعت صفية بنت شيبة تقول: كانت امرأة تصلي عند البيت إلى مرفقة (وسادة)، فمرت عائشة رضي الله عنها بينها و بين المرفقة، فقالت عائشة رضي الله عنها: «إنما يقطع الصلاة الكلب، و الهر الأسود!»،

و في رواية عبد الله: «إنما يقطع الصلاة الهر و الكلب الأسود!».

و هذه أرجح؛ لأن الرواية الأولى عن بكر بن خلف عن غندر عن شعبة به. و (بكر): صدوق كما في " التقريب " (1/ 126)، و قد ورد ذكر الهر في رواية أخرى يأتي ذكرها قريبا.

لكن الأثر فيه نظر، لأنه معارَض بما ذكرنا - في الصحيح - من تهيّب عائشة رضي الله عنها و تحرجها من المرور بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم، و هو الموافق لما ثبت في السنة من التشديد في ذلك. مع العلم أن الأثر مداره على (عبد الرحمن بن سعد بن وهب)، و هو - و إن كان ثقة - إلا أنه قليل الحديث كما في " تهذيب التهذيب " (6/ 169)

و قد ذكر ابن حزم في " المحلى " (4/ 11) من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن بن مسلم المكي عن صفية بنت شيبة عن عائشة أم المؤمنين قالت: " جعلتمونا بمنزلة الكلب و الحمار! و انما يقطع الصلاة الكلب و الحمار و السنور ". رواه معلقا، و رواته ثقات. و هذا الأثر غير الذي رواه عبد الرحمن بن سعد، سالف الذكر.

و روى عبد الرزاق في " مصنفه " (2365) عن إبراهيم عن حماد عن إبراهيم أن عائشة قالت: " قرنتموني يا أهل العراق بالكلب و الحمار! إنه لا يقطع الصلاة شيء و لكن ادرؤوا ما استطعتم "

ورواه أبو يوسف في " الآثار " (236) عن أبيه عن أبي حنيفة، عن حماد به. و لفظه: " يا أهل العراق، قرنتمونا بالحمير و الكلاب و السنانير! إنه لا يقطع الصلاة شيء، و لكن ادرأ عن نفسك ما استطعت "

قلت: إبراهيم - و هو النخعي - رأى عائشة رضي الله عنها، لكنه لم يسمع منها.

و قد روي موصولا في " مسند أبي حنيفة " (1/ 53 – 54 شرح القاري) عن حماد عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد أنه سأل عائشة عما يقطع الصلاة؟ فقالت: " يا أهل العراق تزعمون الحمار و الكلب و السنور يقطعون الصلاة إذا مر بين يدي المصلي و لم يكن له سترة، قرنتمونا بهم! ادرأ المار ما استطعت، فإن اندفع و إلا فلا يضرك! "

و الخلاصة: أن رواية خيثمة عن الأسود التي فيها حصر القطع في الكلب الأسود مخالفة لرواية إبراهيم النخعي عن الأسود في عدم قطع الصلاة بشيء. و القول هنا قول إبراهيم لاختصاصه بالأسود و ملازمته له.

و أما روايتا صفية بنت شيبة فمُعَلَّتَانِ بالإضطراب، و مدفوعتان بما صح عن عائشة رضي الله عنها.

و يشهد لترجيح كون مذهب عائشة رضي الله عنها عدم قطع الصلاة بشيء من الأشياء، أن الذين رووا عنها حديثها في " الصحيح " يقولون بذلك.

فهذا عروة بن الزبير – ابن أختها - يقول: " لا يقطع الصلاة شيء إلا الكفر! " رواه ابن أبي شيبة (2891)

و هذا القاسم ابن أخيها، يقول: " لا يقطع الصلاة شيء! الله أقرب كل شيء! " رواه ابن أبي شيبة (2892)

و هذا إبراهيم النخعي يقول: " كان يقال: لا يقطع صلاة المسلم شيء! " رواه ابن الجعد في " مسنده " (639). و من المعلوم أن أكثر مراسيل إبراهيم عن الأسود.

قولكم أن القول قول ابراهيم لاختصاصه بالأسود محل اشكال عندي لأن الرواية الموصولة جاءت من طريق أبي حنيفة _ والكلام في حفظه معروف_

وأما رواية صفية فلم يظهر لي وجه الإضطراب فلو وضحت لي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير