تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولمنطقية هذا التقسيم وشموله، فقد درج علماؤنا المحدثون على اتباعه منهجا، وبه نأخذ، غير أنه لما كان الغالب فى عثرة الطريق أنها واقعة مادية فإننا سنطيل الوقوف عند المباشرة والتسبب، وإن كنا لن نعدم التطرق لضمان العقد عند معالجتنا لضمان سلامة الراكب.

112 - والحقيقة أننى لن أسهب في الحديث عن المباشرة والتسبب باعتبار الغالب فى موجب عثرة الطريق فحسب – وإن كان هذا هو الحافز الأول – وإنما لأن القاعدة الحاكمة فى ضمان المباشرة والتسبب وضعت موضع التطبيق فى غير تقنين من التقنينات المعاصرة، ولما كانت هذه القاعدة صيغت بصياغتين، فإن لغلبة إحدى الصياغتين كبير الأثر فى فقه الضمان عموما، وفى ضمان موجبات عثرة الطريق بوجه خاص.

ولأننى لاحظت أن كثيرا من المعاصرين حاولوا التقريب بين موجبات الضمان، وأسباب المسئولية المدنية، وكان من جراء ذلك أن نادوا بما ينادى به أنصار نظرية " الخطأ " فى الفكر القانونى، والأثر الطبيعى لهذا التوجه أنه بينما تسعى التقنينات إلى الارتقاء بالمسئولية المدنية نحو الضمان، فإن التأثر بهذه الدعاوى ليؤدى إلى عكس ذلك تماما، ويخلع على نظرية الضمان ما لا يلائمها قطعا.

ولهذا فإننى سأحاول فى هذا الفصل أن أحقق:

أولاً: مفهوم المباشرة وضوابطها فى ضوء الأدلة الشرعية وآراء الفقهاء.

ثانيا: تحقيق قاعدة المباشرة ضامن وإن لم يتعد والمتسبب لا إلا إذا تعدى.

ثالثا: مفهوم التعدى وأهم أحكامه وقيمة النص عليه فى القاعدة.

رابعا: التسبب مفهومه والأهلية اللازمة له، ومعيار التعدى وافتراضه.

المبحث الأول

مفهوم المباشرة وضابطها فى ضوء الأدلة الشرعية وأراء الفقهاء

المطلب الأول

المباشرة فى اللغة والاصطلاح الفقهى

113 - أولا: المباشرة فى اللغة:

المباشرة: مصدر من الرباعى باشر، يقال: باشر الرجل الأمر إذا تولاه ببشرته، وهى يده، وباشر زوجته إذا تمتع ببشرتها، والبشرة ظاهر الجلد، وبشرت الأديم بشرا: قشرت وجهه.

وقد استعمل الرباعى " باشر " فى القرآن الكريم بمعنى: أوصل بشرة ببشرة، قال تعالى " فالاًن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم، وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد … " () قال المفسرون: ظاهر المباشرة اتصال البشرة بالبشرة، وهى حقيقة فى ملامسة البشرة البشرة، كناية عن المباضعة الزوجية، والتكنية هى المقصود من الإباحة فى الآية، أما المراد من النهى فمجرد اللمس أو القبلة، أى الحقيقة أو ما دون الجماع ()

وبهذا المعنى وردت المباشرة فى السنة، ومن ذلك ما أخرجه البخارى وغيره بسنده إلى عائشة رضى الله عنها قالت " إن رسول الله ? كان يباشر وهو صائم " () وكذلك ما روى بسنده إلى ميمونة رضى الله عنها – زوج النبى ? قالت: " كان النبى ? إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهى حائض " () قال الزرقانى: المراد بالمباشرة هنا التقاء البشرتين لا الجماع ().

وأكثر ما تستعمل لفظه المباشرة فى الملاحظة، والملاحظة: المراعاة والمراقبة، وهى تستوجب اتصال نظر المراقب – بالكسر – بالمراقب -

بالفتح ().

114 - ثانيا: المباشرة فى الاصطلاح الفقهى:

يستخدم الفقهاء لفظة المباشرة فى مسائل الجنايات والإتلافات للدلالة على صدق نسبة الفعل إلى الفاعل، غير أن للفقهاء فى حد المباشرة أكثر من ضابط بعضها مضيق، والآخر موسع.

115 - 1 – المباشرة إتلاف صورة ومعنى:

جاء فى البدائع " وأما الذى يرجع إلى نفس القتل فنوع واحد، وهو أن يكون القتل مباشرة، فإن كان تسببا لا يجب القصاص، لأن القتل تسببا لا يساوى القتل مباشرة، لأن القتل تسببا قتل معنى لا صورة والقتل مباشرة قتل صورة ومعنى، والجزاء قتل مباشرة " () ويتحقق الإضرار صورة ومعنى متى كان " بإتصال الآلة بمحل التلف " () حتى يصدق على فاعله أنه " فعل " وصورتها " قتل إنسان " و " أحرق ثوبه " و " أكل طعامه "، و " أراق عصيره " و " هدم بناءه " () ومنها " رمى هدفا يظنه صيدا فإذا هو إنسان " أو " رمى غرضا فأصاب آدميا " أو " انقلب النائم على رجل فقتله، أو متاع فأفسده " () فهذه كلها مباشرات لأنها حاصلة: أما بالقوة الدافعة فى الفاعل، أو بآلته

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير