تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والظاهر من الفروع محل الخلاف أن موردها فى التضمين بالمباشرة، ولم يصرح الفقهاء بالأهلية الواجبة فى الإضرار تسببا، وإن دلت بعض الأمثلة على هذا المعنى، ولكن لغلبة معنى المباشرة على الأمثلة محل الحكم، ولعدم تصريح الفقهاء بأهلية المتسبب مع النص على وصف التعدى فى السبب، لهذا اختلفت أنظار المعاصرين فى اشتراط الإدراك والتمييز فى موجب السبب. وننظر فى عجالة فى أهلية الإتلاف مباشرة، على أن نرجئ الحديث فى أهلية الإتلاف تسببا إلى موضعه من المبحث التالى.

157 - أولا: آراء الفقهاء فى أهلية الإتلاف مباشرة:

1 - يرى جمهور الفقهاء ان أهلية الوجوب تكفى فى لزوم الضمان، فإذا أتلف عديم الأهلية أو ناقصها شيئا لزمه فى ماله، وإن أتلف نفسا عمدا أو خطأ فالدية على عاقلته، ومبنى هذا الرأى أن الضمان من خطاب الوضع فلا يشترط فيه التكليف ولا التمييز، فلو أن ابن يوم انقلب على شئ فأتلفه وجب الضمان ().

2 - بينما يرى بعض المالكية: أن جناية عديم التمييز هدر، ويرى بعضهم أن الهدر فى الأموال إما ما أتلف من نفس فعلى العاقلة، مبنى الأول: القياس على البهيمة بجامع عدم العقل فى كل، ومبنى الثانى:، صيانة الدماء على الهدر ().

3 - ويرى الظاهرية: أن جناية غير المميز على الأنفس هدر لا توجب قودا ولا دية، أما الجناية على المال فمضمونه ()، أما الأول فلحديث " رفع القلم عن ثلاث، عن الصبى حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق " ()، قال ابن حزم: والسكران لا يعقل ()، وأما الثانى فلقوله تعالى " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ()، ولقول النبى ? إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" ().

4 - ويرى الأباضية فى الراجح عندهم أن جناية عديم التمييز على نفس أو مال يغرمها الأب أو الولى ولا يرجعان على الطفل فى ماله، لأن عديم التمييز كدابة يجب حفظه، فإذا لم يحفظاه فقد ضيعا فيغرمان ().

158 ثانيا: المناقشة:

1 - يرد على القول بالهدر لعدم العقل أن العقل مناط التكليف، والضمان من خطاب الوضع، وما كان من خطاب الوضع يستوى فيه المميز، وغير المميز ولا يقاس على العجماء لعدم الأهلية البتة، وغير المميز تثبت له أهلية ناقصة ().

2 - ويرد على التفرقة بين الأموال والأنفس أن كليهما تثبت له العصمة فلا محل للقول بضمان أحدهما دون الأخر،ولا يعترض عليه بأن الدية تحملها العاقلة دون غرامة الأموال، لأن كليهما وجب جبرا، وتحمل العاقلة وجب مواساة، ولأنها مبلغ كبير لا يطيقه الشخص الواحد، أما بدل المتلف من الأموال فإنه قليل فى الغالب لا يكاد المتلف يعجز عن حمله ().

ومعنى هذا أن مناط التفرقة هو عظم البدل فى الأنفس، وهوانه فى الأموال،وليس مناطه التمييز وعدمه.

3 - أما استدلال ابن حزم فساقط،إذ أسقط من الحديث " النائم " () وقد قال بتضمينه نفسا ومالا، ففرق بين المتماثلين فى الحكم من غير دليل،على أن محل الحكم المذكور فى الحديث الأقوال دون الأفعال،فكان الاستدلال به استدلالا فى غير موضعه.

والقول بإهدار الأنفس دون الأموال عكس للحكم الثابت بنصوص الشرع فقد قدم الله حرمة الأنفس على حرمة الأموال، لأن حرمة المال لغيره، وحرمة الأدمى لعينه ()

4 - أما الأباضية فيرد عليهم أن الضمان من خطاب الوضع فلا يلزمه التمييز والقياس على البهيمة لا يصح لعدم الأهلية مطلقا.

159 - ثالثاً: الرأى الراجح:

لا شك أن ما يذهب إليه جمهور الفقهاء هو الراجح، لأن الضمان من خطاب الوضع الذى لا يشترط فيه التكليف بل ولا التمييز، وإنما هو من قبيل ارتباط المسبب بالسبب، فمتى وجد السبب ثبت الحكم، دون اعتبار لحال الفاعل لأن مشروعية الضمان لجبر الضرر لا الزجر على الفعل، ومناط الجبر أهلية الوجوب لا الأداء،وما ثبت فى حق عديم التمييز من عذر لا ينافى عصمة المحل المتلف،لأنها ثابتة لحق العباد وحاجتهم، ولأن فى التضمين تحقيق العدالة،لأن التالف لابد وأن يهدر على أحد الطرفين، فاعل الضرر أو المضرور، وإحياء حق المضرور بتعويضه أولى بالاعتبار من عدم تضمين الفاعل لعذره ().

المطلب الثالث

أهمية النص على التعدى فى المباشرة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير