تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفى نظرى: أن ايكال الأمر إلى العرف أولى، لأن هذه التسميات لم تثبت بطريق الشرع، والاقتصار على النظر الفقهى قد يوجد خلافا ظاهرا فى مسائل لو تأملناها لكانت محل اتفاق، كفتح قفص الطائر – مثلا – فهو لا يؤثر فى الطيران ولا يحصله، وعلى هذا المعنى صح أن لا يكون مباشرة ولا تسببا كما هو قول جماعة من الفقهاء () غير أنه طريق إلى الطيران ومفض إليه، وبهذا الاعتبار هو سبب كما هو رأى فريق آخر () بل قد يصح القول بأن الطيران حصل من الفتح، وعلى هذا النظر هو علة أو سبب فى معنى العلة فى قول فريق ثالث ().

170 - ثانياً: معنى التسبب:

وكما رأينا من خلاف لفظى فى معنى السبب، وقع خلاف آخر فى معنى التسبب.

فعلى أن المراد من السبب ما يفضى إلى الحكم، إلخ. . عرف بعض الفقهاء التسبب بأنه " الفعل فى محل يفضى إلى تلف غيره عادة " ()، أو هو " ما يحصل الهلاك عنده بعلة أخرى إذا كان السبب هو المقتضى لوقوع التلف بتلك العلة " ()، أو هو " إيجاد ما يحصل التلف عنده لكن بعلة أخرى إذا كان السبب مما يتوقع معه علة التلف، بأن يكون وجودها معه أكثريا" ().

وعلى أن المراد من السبب ما يؤثر فى التلف ولا يحصله عرف بعض الفقهاء التسبب بتعريفات منها أنه " إيجاد علة المباشرة " ()، أو " فعل ملزوم العلة " ()، أو" إيجاد ما لولاه لما حصل التلف لكن علة التلف غيره " ()،وفى معنى إيجاد المؤثر قول بعضهم " إيجاد ما يحصل الهلاك عنده لكن بعلة أخرى إذا كان السبب مما يقصد لتوقع تلك العلة " ().

ولعل المحصل من هذه التعريفات هو وضع ضابط مفاده إيجاد ما يفضى إلى التلف بواسطة غيره اقتضاء أو تأثيراً ().

ولما كان السبب لا يحصل التلف بذاته ولكن بواسطة غيره احتاج إلى أمر زائد هو ما ظهر من نص بعضهم على: العادة،أو الاقتضاء،أو التوقع الأكثرى،أو التأثير، أو قصد توقع العلة.

171 - وبغير خوض فى تفاصيل كثيرة فإن النص على قصد التوقع إذا أريد به أن يكون من شرط التسبب قصد حصول العلة فإنه ينبغى أن لا يصح، لأن القصد غير معتبر فى الضمان، ولكن إن أريد به كون شأن الفعل كذلك أى مقتضاه الإفضاء إلى العلة فهذا والنص على الاقتضاء والتأثير سواء، فالكل بمعنى تهيئة العلة لإحداث أثرها فى محل الضرر، وهذا المعنى لا يثير مشكلاً إذا كان السبب واحدا، بينما يتصور الإشكال عند تعدد الأسباب، فعندئذ يثار البحث عن أى الأسباب هو الذى هيأ العلة.

ولهذا كان النص على العادة هو أولى المعايير بالاعتبار خاصة إذا أريد منه معنى المجرى الطبيعى للأمور، أو إحداث الأثر دون تدخل عوامل أخرى شاذة تقطع نسبة التلف إلى الفعل، لأن هذا المعيار أو القيد يضع السبب فى مكانه الصحيح عند تزاحم الأسباب ()

المطلب الثانى

أهلية الإتلاف تسببا

172 - جوهر حديث الفقهاء فى إتلافات الصغير وما فى حكمه يدور فى فلك التضمين بالمباشرة، وحكمها – كما رأينا -أن المباشرة ضامن وإن لم يتعد، ولندرة الأمثلة فى جنايات الصغير وما فى حكمه تسبباً، وكذلك لعدم النص صراحة على عدم اعتبار أهلية الأداء فى الإضرار تسببا مع تقييد السبب بأن يقع تعدياً، لهذا ثارت شبهة عند أكثر المحدثين من أساتذتنا فقهاء الشريعة أوالقانون مفادها: أن التعدى مخالفة الحد المأذون به، أو مجاوزته، والمخالفة لا تتصور ممن لا يفهم الخطاب، أو أن التعدى لا يقع إلا تعمداً، والعمد يقتضى العلم والإرادة وكلاهما لا يتصور من عديم التمييز، ولأن الفقهاء غايروا بين المباشرة والمتسبب فى شرط الضمان حيث أوجبوا التعدى فى الثانى دون الأولة، والتسوية في رأي هولاء - بين المميز وغيره يجعل غير المميز فى وضع أسوأ من وضع المميز، لأن الثانى لا يضمن إلا بالتعدى، وغير المميز يضمن مع عدم تصور التعدى منه، ومقتضى العدالة أن يكون غير المميز أحسن حظأ، أو أقل مسئولية، وليس العكس ()

173 - ومرد هذه الشبهة فى رأيى إلى المرادفة بين التعدى والخطأ، وقد فندناها فيما مضى،وانتهينا إلى ما وافقنا فيه كثيرا من الباحثين من أن التعدى يرادف الركن المادى للخطأ – بالمفهوم القانونى – فقط ()، فلا حاجة بنا هنا لتكرار الكلام حول هذه الشبهة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير