تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

178 - رأينا فيما مضى أن التعدى هو مخالفة الحد المأذون به، وهذه المخالفة إن كانت إتيان فعل نهى الشارع عنه، أو امتناعا عن عمل أمر الشارع به فلا مشقة فى ضبطها، ويسهل معها الحكم على الفاعل أو الممتنع بأنه متعد، فمن يوقف دابة وعرة فى طريق الناس، أو يطردها فى مجامعهم، أو يلقى مزلقات أو معاثر بالطريق، أو يحفر به بئراً فإنه متعد لا ريب فى ذلك، كذلك الأم إذا امتنعت عن إرضاع وليدها، أو صاحب الدابة إذا امتنع عن حفظها حتى أتلفت مال غيره فمتعديات لا شك فى ذلك.

ولكن إن كان الفعل مشروعاً بأصله دون وصفه كالانتفاع بالمباحات كالسير فى الطرقات ترجلا أو بواسطة نقل،دابة أو غيرها، أو سقى زرعه، أو رعى دوابه، أو الاصطلاء بناره، وما إليه، إذا أضر بالغير فإن تقدير ما إذا كان هذا الفعل قد وقع تعدياً أم لا أمر قد يشق.

وبيان ذلك فى كلام الفقهاء: أن الانتفاع بالمباح مشروط بسلامة العاقبة فيما يمكن التحرز عنه لا ما لا يمكن التحرز عنه ()، والتحرز يقتضى قدرا من الحيطة والحذر والتبصر يختلف باختلاف الظروف، فالسير فى طريق مزدحم بالمارة يقتضى نوعاً من التحرز يختلف عن ذلك القدر الذى يقتضيه السير فى طريق هادئ، والسير فى مكان مظلم يستوجب قدراً من التحوط يختلف عن ذلك القدر من التحوط فى السير فى محل مضئ،وهكذا. . .، ولكن ما الوسيلة التى يمكن بموجبها ضبط السلوك فى ضوء ظروف الواقع لبيان ما إذا كان الشخص قد أتى الفعل أو الترك بالقدر الواجب شرعا من الحيطة والحذر والتبصر أم لا؟

179 - إناطة التعدى بالعادة

على قدر إطلاعى لم أقف على نص صريح يقرر معيار التعدى، ولكنى وجدت فى كلام الفقهاء ما ينيط التعدى بالعادة وما تعارف عليه الناس، ومن ذلك قولهم " إن فاعل المعتاد كالمأذون له من جهة الشرع لرضاء المسلمين به " ()، وعليه فمن " سقى معتادا وتعدى إلى جاره لا يضمن لأنه ضمان بسبب، وأنه لا يضمن بلا تعد، والمعتاد لا يكون تعدياً " ()، ومن " رش الطريق كالعادة لدفع الغبار لا يضمن" ()، وكذا " إذا أوقد فى ملكه نارا على الاقتصاد المعتاد فطار منها شرر فأتلف شيئا بالإحراق فإنه لا يضمن وإذا كان فعل ما جرت به العادة من غير تفريط لأنه غير متعد " ()، ومن وقع رداءه على شئ فأتلفه لا يضمن وإن لم يشده " لأنه لا يشد فى العادة " ()، وكذا " إن أصابت الدابة بيدها أو برجلها حصاة أو نواة أو أثارت غباراً أو حجرا صغيرا ففقأ عينا أو أفسد ثوبا لا يضمن لإن التحرير عن الحجارة الصغار والغبار متعذر، لأن سير الدابة لايخلو عنه، ولو كبيرا ضمن، لأن التحرز عنه ممكن، وإنما يكون ذلك عادة من قلة هداية الراكب " ()، ومن الواجب عليه " أن يحترز عما لا يعتاد فعله له كالركض الشديد " ()، كما " يضمن إذا حفر بئرا – وإن بإذن الإمام – إذا خالف العادة فى سعتها " () ويضمن " إن ركب الدابة الصعبة فى الأسواق أو ساق الإبل غير مقطورة فيها، وإن دخل سوقا بحطب فتلف به نفس أو مال ضمن ما تلف به إن كان هناك زحام لإتيانه بما لا يعتاد () وهكذا يطرد القول بضمان الضرر الناشئ عن الفعل المباح أصلا إذا وقع علي خلاف ما توجه العادة، مما يعني إناطة مشروعية وصف السبب بالعادة تطبيقا لقاعدة " أن ما ورد به الشرع مطلقاً، ولا ضابط له فيه ولا فى اللغة يرجع فيه إلى العرف " ().

180 - لا اعتبار لظروف الجانى الشخصية فى وزن الفعل.

واضح فى الفروع المساقة آنفا أنها لا تقيم وزنا للظروف الخاصة بالجانى، فيضمن متى خالف العادة دون اعتبار لنيته ومعرفته وجهله وعلمه وذكره ونسيانه، مميزاً كان أو غير مميز، كما لا عبرة بالظن المتيقن خطؤه.

181 - يعتد بالظروف الخارجية فى ضبط مخالفة العادة.

بينما ألمح الفقهاء إلى الاعتداد بالظروف الخارجية فى تقدير مخالفة العادة أو عدم مخالفتها، ومثال ذلك فى كلامهم الزحام، الريح، السوق، والدابة النزقة التى لا يؤثر فيها كبح لجام، إذ من حقه أن يضبط مركوبه أو لا يركب ما لا يضبطه، فيضمن ما يتلف بذلك، كما يضمن إذا فرط فى حفظها فى كل وقت جرت العادة بحفظها فيه ().

182 - العادة معيار موضوعى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير