7_ إذا صدر الطلاق من الزوج، وادعى الغضب، ولم تتضح أسبابه الموجبة له_أوقع الطلاق.
أذكر_على سبيل المثال_أن معاملة طلاق أرسلها أحد القضاة بعد أن أخذ الأقوال فيها، فلما قرأتها على سماحة الشيخ وإذا فيها: أن الزوج قد أمر زوجته بإحضار قهوة وتمر، فجاءت بالقهوة وتركت التمر، فغضب الزوج وطلقها ثلاث طلقات، فأفتاه سماحة الشيخ بوقوع الثلاث، ولم يلتفت إلى دعوى الغضب، وقال: هذا سبب لا يغضب الرجل، والمسألة ليست لعباً.
وجاءت معاملة ثانية، وذكر فيها أن الزوج والزوجة اختلفا في اختيار لون المروحة؛ فهو يريدها بيضاء، والزوجة تريدها زرقاء، فغضب عليها وطلقها ثلاثاً؛ فأفتاه سماحة الشيخ بوقوع الطلاق ثلاثاً، فراجعه الزوج، فقال سماحته: هذا سبب لا يوجب الغضب.
8_ العناية الفائقة، والتحري الشديد: فهذا دأب سماحة الشيخ ومنهجه في قضايا الطلاق؛ حيث كان يعتني بقضايا الطلاق عناية عظيمة، وهذا من أسباب توفيقه، وتسديده؛ فأحياناً يطلب إحضار بعض الكتب، ويُقْرأ عليه كلام أهل العلم؛ فلا يملي الفتوى حتى يطمئن.
وفي بعض الأحيان تكون المعاملة طويلة متداخلة، وفيها إشكالات كثيرة؛ فيؤجل النظر فيها، ونقرؤها عليه مرة، ومرتين، وثلاثاً، وكلما قرأتها عليه قال: في النفس شيء، وبعد ذلك يصدر الفتوى، ثم لا يفكر فيها، ولا يلتفت إليها.
ومما يدل على عنايته وتحريه أنه لا يفتي المطلِّق بناء على كلامه، بل يأمر بإحضار كل من له علاقة بالقضية، فيأمر بإحضار الزوجين، والولي لدى المحكمة، أو مركز الدعوة، أو لدى أحد المشايخ، وسؤالهم عن صيغة الطلاق، وهل سبقه أو لحقه طلاق إلى غير ذلك.
ومن مظاهر عنايته وشدة تحريه أنه ربما استخار للقضية الواحدة أكثر من مرة؛ ومن الأمثلة على ذلك أن الشيخ إبراهيم الحصين قرأ عليه معاملة طلاق تزيد على خمسين ورقة، فأجَّل سماحة الشيخ الحكم فيها، وبعد أيام قال له الشيخ إبراهيم: يا سماحة الشيخ لعلكم تأملتم معاملة طلاق فلان؟ وكان قد أخذ بيده بعد جلسة الفجر إلى داخل بيته؛ فوقف سماحته، وقال: اكتب؛ فأملى عليه الفتوى وقال: لقد تأملتها كثيراً، وصليت صلاة الاستخارة ثلاث مرات، وانشرح صدري لهذه الفتوى.
9_ الجَلَد العظيم، والتحمل، وعدم التضجر من كثرة قضايا الطلاق: إذ كان حريصاً_كعادته_على نفع الناس، ولَمَّ شتات الأسر؛ ولهذا ترى المطلقين يلاحقون سماحته في كل مكان، سواء في العمل، أو المنزل، أو إذا كان في المدينة، أو مكة أو الطائف، أو الرياض.
وكثيراً ما كان يأتي من الرياض إلى الطائف، أو مكة، أو إلى الرياض وما إن يصل إلى منزله إلا ويجد مُطَلِّقاً أو أكثر، وهم ينتظرونه عند باب المنزل، وأحياناً يشغلون سماحته وهو على الغداء، حتى إنه في آخر يوم من أيام دوامه في مرضه الذي توفي فيه لم يأت من المكتب إلا الساعة الثالثة إلا عشر دقائق ظهراً، وهو يعاني من شدة المرض، وقلة الأكل، حيث لا يتناول إلا كأساً من الحليب بعد الفجر، فقلت له: يا سماحة الشيخ_حفظك الله_الساعة الآن الثالثة إلا عشر دقائق؛ فقال: ماذا نعمل بأصحاب الطلاق؟ من بعد الظهر نظرنا في أربع قضايا طلاق؛ حيث يسمع من الزوج والزوجة والولي ثم يفتيهم بما يراه.
ولقد جُمِعَتْ فتاوى الطلاق الصادرة بتوقيع سماحته، وبلغت سبعاً وعشرين ألف فتوى طلاق تقريباً.
هذا زيادة على فتاواه التي لم تسجل، كفتاواه لما كان قاضياً في الدلم، وفتاواه قبل ذهابه للجامعة الإسلامية، وفتاواه الشفوية، أو الخاصة التي لم تسجل.
وهذا دليل على بركة وقته، وثقة الناس به، وهو دليل_أيضاً_على جلده العظيم، وسعة باله، ورحمته بالناس.
ولهذا كثيراً ما كان يُخَاطِب مَنْ يعملون معه، مسلياً ومصبراً، فيقول: ارحموا هؤلاء المطلِّقين المساكين، واحمدوا الله الذي عافاكم، واعتبروا حتى لا تطلِّقوا.
10_ الحرص على الإصلاح، والنصح للمطلقين: فإذا لم يقع الطلاق فإن سماحته يعظ الزوجين، ويذكرهما بالله، ويحذرهما من أسباب الغضب، ونحو ذلك.
وإذا لم يكن الطلاق بائناً نصحهما بأن يتراجعا، ويقول للزوج: أرضها ببعض الشيء.
ويقول: ألا تريد أن أعقد لكما عقداً جديداً، وذلك إذا كانت العدة منتهية، وربما قال للزوج: أعطها ألفاً، أو ألفين.
¥