تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقوله: {إعتزلوا} أمر بالإعتزال، وقيّد المعتزل بالمكان في قوله: {في المَحيضِ} وهو: إِسم مكان للحيض كالمَقيلِ اسم مكانٍ للقيلولة، فدلّ على حُرمة الوطء في الفرج الذي هو مكان الحيض مدة الحيض، وخصّ الله التحريم بالوطء، وجعل الإعتزال منحصراً فيه، ومفهوم ذلك أنها لا تُعتزلُ في غيره، ومن هنا جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمؤاكلة الحائض، ومشاربتها، ومجالستها على خلاف ما كان يفعله أهل الكتاب من اليهود، وغيرهم من عدم مؤاكلة الحائض ومجالستها حتى ينتهي حيضها، وثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريم الوطء في الفرج بالنسبة للمرأة الحائض، كما في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: [إِصْنَعُوا كلَّ شيءٍ إلا النِّكاحَ]، فقوله: [إِلا النِّكاحَ] التقدير: فلا تصنعوه أي لا تفعلوه لأن ما بعد إلا مخالف لما قبلها في الحكم، كما هو مقرّر في علم الأصول.

وكما دلّ دليل الكتاب، والسنة على إعتبار هذا المانع، كذلك دلَّ دليل الإجماع، فقد أجمع العلماء رحمهم الله على تحريم وطء الحائض كما نقله الإمام النووي رحمه الله، وغيره.

إذاً فالحيض يمنع الوطء في الفرج، لكن هل يجوز للزوج أن يُستمتع منها بغير الفرج؟ هذه المسألة خلافية عند العلماء: الأصل عندهم أنه يجوز له أن يستمتع بالمرأة إذا كانت حائضاً بغير الجماع، لكن يأمرها فتتّزر، فتلبس إزارها من ثوب، ونحوه ويُغَطّى الموضعُ المحرّم، وبعضهم يحدّده بما بين السُّرة، والرُّكبة؛ " لأنّ ما قاربَ الشيءَ أَخذَ حُكْمَه "؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام: [كالرّاعِي يرعَى حولَ الحِمى يُوشِكُ أَنْ يقع فيه]، وأكّدوا ذلك بقولها: [كَانَ يأمرُ إِحدَانا فَتتّزرَ فيباشِرُها، وهي حائضٌ] والوزرة: لا تكون إلا إذا غطّت هذا الموضع، فالإزار الغالب فيه أن يكون بهذا القدر.

وقال بعض العلماء رحمهم الله: المحرّم عليه الفرجان، ولا مانع أن يستمتع بغير الفرجين، ولو كان بالمباشرة، يعني أن المراد بالاتزار أن تشدّ الموضع فقط، ثم لو لامس غير موضع الجماع، وإستمتع به لا حرج عليه على ظاهر القرآن في قوله سبحانه: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}.

وهذا المذهب الثاني أقوى من جهة النصِّ، وهو ظاهر القرآن، والسنة.

والمذهب الأول أحوط، وأبعد عن الشّبهة في بقائه على الأصل الموجب لتحريم الوطء، وما قارب الفرج وسيلة للمحرم.

وفرّق بعض العلماء - وهو قول ثالث - يفرق بين الذي يستطيع أن يضبط نفسه، والذي لا يستطيع أن يضبطها، فقالوا: يباشر بما دون الفرج قريباً من الفرج إذا كان يملك نفسه، والغالب عليه السلامة وإلا فلا، وهذا القول له أصل من السنة في قبلة الصائم كما سيأتي إنشاء الله، وهو مبني على القياس ومعارَضٌ بعموم الوارد هنا.

حرم الله وطء الحائض رحمة بالعباد، حتى ذكر بعض الأطباء المعاصرين أنه في إحدى المؤتمرات الطبية، قالت طبيبة غربية متخصصة: إنها وصلت إلى أمر هام في الطب، وهو أن من يجامع المرأة، وهي حائض أنه تلتهب عنده البروستات، وهي الغُدّة المعروفة. فقال أحد الأطباء المسلمين: هذا الذي توصلت إليه اليوم عرفه المسلمون منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً؛ فإن الله-عز وجل- يقول: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} فأخبر أنه أذى، فهو يشمل أذى الحسِّ، والمعنى، فكان هذا من إعجاز القرآن، فالمسلمون يعرفون أن هذا الشيء يفضي إلى الضرر، ويستوي في ذلك عوامهم، وعلمائهم.

فمن رحمة الله أنه حرم الجماع في هذا الوقت، وذكر بعض الأطباء أنه كما يؤدي إلى الضّرر بالرجل فإنه كذلك يؤدي إلى أضرار في نفسية المرأة.

قوله رحمه الله: [فإِنْ فَعَل فعليهِ دينارٌ، أو نِصْفُه كفارةً] قوله: [فإن فَعل]: أي المكلف، فجاوز حدود الله-عز وجل- وجامع امرأته، وهي حائض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير