ألا يكون من باب قوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} فإن هذا المقام لا يخلو غالباً من نقاش وأخذ ورد وإسقاط بعض الحق من باب العفو، وفي كل هذا فإن النفس بحاجة إلى شيء يدفعها للعفو والإعراض عما قد يحدث من لغط في الكلام
وهذا أوجه ..
ثم لنتأمل بعض الأمور ..
- أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يحافظون على الصلاة في جماعة .. ولعل هذا هو سبب نزول الآية نفسها .. وكان اجتماعهم هذا يذهب عنهم ما كان يجده بعضهم على بعض في أمور دنياهم، والنساء من ضمن هذه الأمور، بل من أوضح أمور الدنيا (اتقوا الدنيا، واتقوا النساء) ..
[وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم]
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)
فالصلاة تؤلف بين قلوبهم وتذهب عنهم الاختلاف ..
- نجد مثلا موقف معقل بن يسار رضي الله عنه من ابن عمه لما طلق اخته ثم جاء يخطبها مع الخطاب بعد انقضاء عدتها؛ قال: (لا والله لا أُنكحها أبدا) يعني لابن عمه ..
وموقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما عرض ابنته أم المؤمنين على عثمان وأبي بكر؛ قال: (فكنت عليه أوجد مني على عثمان) يعني أبا بكر ..
فكانوا يجدون في أنفسهم في هذه الأمور الاجتماعية، فكان اجتماعهم في الصلاة يزيل عنهم ما يكانوا يجدون ..
ومنه يعرف قول عثمان بن عفان رضي الله عنه لما أقترحوا قتله وبلغ اختلاف المسلمين أوجه؛ قال: (ولا تقتلوني فإنكم إن قتلتموني لم تصلوا من بعدي جميعا أبدا).
- ومعنى اجتماع المسلمين في جماعة داخل في المحافظة عليها، وهو حال الصحابة لما نزلت عليهم ..
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإنهن من سنن الهدى، وإن الله شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق بين النفاق، ولقد رأيتنا وإن الرجل ليهادى بين الرجلين حتى يقام فى الصف ..
وروى عن زيد بن ثابت وأسامة بن زيد: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهاجرة، والناس في قائلتهم وأسواقهم، فلا يكون خلفه إلا الصف والصفان، فأنزل الله: [حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى]
فدل الله تعالى المؤمنين على ما يعالجون به ما يجدونه في صدورهم من بعضهم البعض حيال النكاح والطلاق والإيلاء وما شابه .. والله أعلم ..
وهنا ربط آخر: أن المحافظة على الصلاة تقوي ارتباط الرجل بزوجته وتقوى حسن المعاشرة بينهما بالمعروف .. فيكون فيه ارشاد للمؤمنين لما يبعدهم عن أمور الطلاق والإيلاء ولما يقوي روابط الاحترام والمودة بينهم ..
قال السندي: (ان محبة النساء والطيب إذا لم يكن مخلا لأداء حقوق العبودية بل للانقطاع إليه تعالى؛ يكون من الكمال).
وقال الحكيم الترمذي: (الأنبياء زيدوا في النكاح لفضل نبوتهم، وذلك أن النور إذا امتلأ منه الصدر ففاض في العروق التذت النفس والعروق فأثار الشهوة وقواها)
والله تعالى أعلم وأحكم ..
ـ[الطويلبة]ــــــــ[28 - 04 - 08, 10:57 ص]ـ
موضوع رائع، جزاكم الله خيرًا شيخنا الفاضل، وجزى الله الإخوة الأفاضل
زادكم الله من فضله، وحفظكم.
ـ[البراك]ــــــــ[06 - 04 - 09, 05:36 م]ـ
السلام عليكم
موضوع جميل ... وكنت قد سألت أحد الأخوة القراء فقال لي ما معناه " لما كان الطلاق وأموره مصحوبا غالبا بالمشاكل والهموم أتت آية المحافظة على الصلاة لتوجه المؤمن بأن راحته بالصلاة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرحنا بها يا بلال ". ا. ه
كما أن آيات الطلاق غالبا يؤمر فيها بالتقوى، فأتت المحافظة على الصلاة لتكون المعين على ذلك لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فيبتعد المؤمن عن الظلم وما قد يصاحب الطلاق.
والله أعلم
بوركتم ونفع الله بكم الإسلام وأهله