والحقُ الذي أراه أن هذه النقاط سيما النقطتانِ (5، 7) تحملان إسقاطاتٍ ذاتيةٍ أكثرَ مما توضحانِ أو تفسرانِ قولَ الشيخ، وهما أبعدُ ما يكونا عن تصور الشيخ، ولا يمكنُ أن يحتملَ قولُ الشيخِِ شيئاً من هذه الإسقاطاتِ الذاتية، بأي حالٍ من الأحوال إلا بجهد الأنفس تعنتاً وظلما.
وكان من نتيجةِ اتباعِ هذا النهج في الإسقاطِ الذاتي ـ وليس التفسير الموضوعي ـ أن حدثَ استباقُ القولِ من الشيخ والتقوّلُ عليه بما لم يقله بعد.
انظر: بعد أن اتهمتَ الشيخَ ـ حسب اسقاطك الذاتي لما فهمته أنت ـ من أنه اتهم الرسولَ صلى اللهُ عليه وسلمَ بأنه متواطئٌ ومخادعٌ، وهنا تمسكتَ وتشبثتَ بما ترفضه أنت من الشيخ وتعيبه عليه وهو دلالة اللفظ، وتندرت على الشيخِ الذي يقولُ بأنه لا مناص من التحاكم إلى اللغة، فقد قتلَ الشيخُ نفسَه، وفندت بكلِ وضوحٍ معنى الخديعة، وأن الشيخَ يتهمُ الرسولَ صلى الله عليه وسلمَ بالخديعة، استبقتَ دفاعَ الشيخِ عن نفسِه وقلتَ: سيقولُ الشيخُ
سيقولُ الشيخُ: ولكن رسولَ الله لم يردْ المكروهَ في مخادعةِ أبي حذيفة.
ولربما: سيقولُ الشيخُ ولكن رسولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلمَ ـ
المجالُ مفتوحٌ أمامنا لنتقوَّلَ على الشيخِ ما لم يقله بعد، فلنا أن نستبقَ ونقولَ ما يمكن له أن يقولَ أو نتوقعُ أنه من الممكن أو المحتمل أن يقولَ فنرد عليه قبل أن يقولَ كما تقوّلنا عليه من قبلُ ما لم يقلْ أصلا.
هذه هي نتيجة نهجِ الإسقاط الذاتي.
ما بقي في الفصل الأولِ إلا النقطةُ الثالثة، وقد سكتُ عنها لأنك أيضاُ سكتَ عنها، ولم أرَ منك تعليقاُ عليها كما علقتَ على سائرِ النقاط.
قلتَ في هذه النقطةِ ما نصه:
تفسيره الشخصي ـ التوهمي ـ من أن استغرابَ سهلة ـ رضي الله عنها ـ من قولِ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما قال " أرضعيه " أن مرده إلى تعجبها من كيف يمص ثديها وهو رجل كبير، ثم يقول: (وهل يُتصورُ لو أنه قيلَ لامرأةٍ أعصري ثديكِ وضعي اللبنَ في كوبٍ أنها تستنكر هذا؟ أم أن المرأة استنكرت لأنها فهمت من أرضعيه أنه يباشرُ الرضاعَ لحلمةِ الثدي؟).
لم تذكر في هذه النقطة أنه سيردُ الردُ على هذا في الفصل الثاني كما فعلت في النقطة الأولى، وكذلك لم يرد عليها تعليقٌ في الفصل الأولِ كما جاء في باقي النقاط، وسؤالي هو: إن كان تفسيرُ الشيخِ (توهمي) فلم لم تقدم لنا تفسيراُ نقلياً أو عقلياً لاستغرابِ سهلةَ ـ رضيَّ اللهُ عنها ـ ومراجعتِها للرسولِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ لمَّا قالَ لها " أرضعيه "؟
فإن هذا التفسيرَ الذي قدمه الشيخُ، ووصفته أنت منه بأنه ـ شخصي توهمي ـ هو تفسيرٌ وجيهٌ وله دلالةٌ عقلية.
ولما انتقلتُ متشوقاُ إلى الفصلِ الثاني وجدتُك قد نصبتَ محاكمةً للمذهب الظاهري، وكأن الشيخَ هو زعيمُ الظاهرية، مع أنه يخالفهُم في أن هذه المسألةَ تحديداً هي رخصةٌ خاصةٌ لسالمَ بعكس ما يقولون هم به من جوازِها لجميع من كان في مثل حالته في كل زمن، وأنه يوقعُ التحريمَ بشربِ اللبنِ خلافاً لهم يشترطون الرضاعة.
أخي الكريمُ أبو حمزة ـ عذراً ـ إن قلبي حزين على طلبة العلم إن كان ذاك ديدنُهم في الرد على العلماء
التصور الغريب ـ التفسير التوهمي ـ التصور الفاسد ـ الاضطراب في التعامل مع الأصول الفقهية
لاحظ معي ـ بارك الله فيك ـ تطورَ تفلُتِك من سلوكِ طالبِ العلمِ الذي ظهرَ عليك في أولِ التقديم من إظهار التوقير للشيخ والتقدير، ثم درجةً درجة، حتى وصلت إلى اتهام الشيخ بأنه يقول بأن الرسولَ ـ صلى اللهُ عليه وسلمَ ـ له حق مخالفة الشريعة وأن الرسولَ ـ صلى اللهُ عليه وسلمَ ـ متواطئٌ على الخداع والخديعة، ليس هذا وحسب بل أخذك هواكَ حتى وصل بك الأمر إلى تصوير معركةٍ يدافعُ فيها الشيخُ عن اتهاماتٍ تتهمُه أنت بها ـ إسقاطاً ذاتيا لا تفسيراً موضوعياً ـ مستغلاً أدلةً بعيدةً كلَ البعدِ عن حقيقةِ الموضوعِ، معتمداً على إشعالِ عاطفةِ الناسِ وإيغارِ صدورِهم غَيّرةً على الرسولِ ـ صلى الله عليه وسلم.
أرى أن (الإزهاقَ) بُنيَّ على مجرد تصورات وتخيلات ظنية لا على حقيقة ما قال الشيخ، وهذا جليٌّ في كثير من فقراته.
احذر نفسك أخي الكريم، الأمرُ يبدأ هكذا دوما ........ ثم يتطور دوما.
¥