وقال ابن هبيرة في الإفصاح (1/ 212): أجمع المسلمون على أنه لايجوز بيع الذهب بالذهب منفرداً والورق بالورق منفرداً، تبرها ومضروبها وحليها إلا مثلاً بمثل، وزناً بوزن، يداً بيد، وأنه لا يباع شيء منها غائب بناجز.
القول الثاني: وهو منسوب لمعاوية رضي الله عنه، والحسن وإبراهيم والشعبي. انظر المصنف لعبد الرزاق (8/ 69) وتكملة المجموع (0/ 357،359) وابن الأثير جامع الأصول (/553،559،560،561) والجامع في أصول الربا (ص: 160)، وهو اختيار جماعة كبيرة من الحنابلة كظاهر نص ابن قدامة (4/ 29) وقال في المقنع (2/ 65)، والإنصاف (5/ 14): (وعليه العمل)، واختاره ابن تيمية رحمه الله كما في تفسير آيات أشكلت (2/ 622)، وابن القيم كما في إعلام الموقعين (2/ 141) وأجازه مالك رحمه الله للمسافر خاصة لضرورة السفر كما أشار إليه خليل وغيره، وانظر أضواء البيان (1/ 256).
قال ابن تيمية في الاختيارات للبعلي (ص: 112): ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة، سواء كان البيع حالاً أو مؤجلاً ما لم يقصد كونها ثمناً. اهـ
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 141): إن الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينهما وبين الأثمان، كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع وإن كانت من غير جنسها، فإن هذه الصناعة قد خرجت من مقصود الأثمان، وأعدت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها، ولا يداخلها (إما أن تقضي وإما أن تربي) إلا كما يدخل في سائر السلع إذا بيعت بالثمن المؤجل. الخ كلامه رحمه الله.
ويصلح أن يكون هذا طرد رأي جماعة كبيرة من الفقهاء , فقد قال ابن رشد (2/ 103): اختلفوا من هذا الباب فيما تدخله الصنعة , مما أصله منع الربا فيه , مثل الخبز بالخبز , فقال أبو حنيفة لابأس ببيع ذلك متفاضلاً ومتماثلاً؛ لأنه قد خرج بالصنعة عن الجنس الذي فيه الربا , وقال ابن مفلح (4/ 149): إن ما خرج عن القوت بالصنعة فليس بربوي.
وهذا قول جميع القائلين بأن لا ربا إلا في النسيئة.
أدلة هذا القول:
استدل لهم الإمام ابن تيمية في تفسير آيات أشكلت (2/ 622) , و ابن القيم في إعلام الموقعين بما يلي:
(1) أن علة الربا في الذهب والفضة هي الثمنية، فإذا كانا حلياً فإنهما يصبحان مجرد سلعة من سائر السلع. قلت: وقد يلزم من لا يقول بهذا القول ألا يجري الربا عنده في الورق النقدي لأنه إنما اعتبره جنساً ربوياً بعلة الثمنية قياساً على الذهب والفضة.
(2) أن مبادلة حلي الذهب بالذهب بالتفاضل على أن يكون الفضل في مقابل الصنعة والصياغة، والعاقل لا يبيع الصياغة بوزنها فإنه سفه وإضاعة للصنعة، والشارع لا يقول لصاحب هذه الصياغة: بع هذا المصوغ بوزنه واخسر صياغتك، ولا يقول له: لا تعمل هذه الصياغة، واتركها، ولا يقول له: تحيل على بيع المصوغ بأكثر من وزنه بأنواع الحيل، فالشارع أحكم من أن يلزم الأمة بذلك، والشريعة لا تأتي به، ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه لحاجة الناس إليه، فلم يبق إلا أن يقال: لا يجوز بيعها بجنسها البتة، بل يبيعها بجنس آخر، وفي هذا من الحرج والعسر والمشقة ما تتقيه الشريعة، فإن أكثر الناس عندهم ذهب يشترون به ما يحتاجون إليه من ذلك، والبائع لا يسمح ببيعه ببر وشعير وثياب، وتكليف الاستصناع لكل من احتاج إليه إما متعذر أو متعسر، والحيل باطلة في الشرع، وقد جوز الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب، وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه؟ فلم يبق إلا جواز بيعه كما تباع السلع، فلو لم يجز بيعه بالدراهم فسدت مصالح الناس، والنصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها ما هو صريح في المنع.
(3) يوضحه أن الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتخذون الحلية وكان النساء يلبسنها وكن يتصدقن بها في الأعياد وغيرها، والمعلوم بالضرورة أنه كان يعطيها للمحاويج ويعلم أنهم يبيعونها، ومعلوم قطعاً أنها لا تباع بوزنها فإنه سفه، ومعلوم أن مثل الحلقة والخاتم والفتخة لا تساوي ديناراً، ولم يكن عندهم فلوس يتعاملون بها، وهم كانوا أتقى لله وأفقه في دينه وأعلم بمقاصد رسوله من أن يرتكبوا الحيل أو يعلموها للناس.
¥