وقد أخرج البيهقي من طريق أبي عتبة ثنا بقية ثنا يزيد بن سنان عن بكير بن فيروز عن أبي هريرة قال قال رسول الله {: "أيعجز أحدكم أن يجامع أهله في كل جمعة فإن له أجرين اثنين أجر غسله وأجر غسل امرأته". ثم قال البيهقي رحمه الله تعالى: "ففي روايات بقية نظر فإن صح ففيه المعنى المنقول في الخبر، وأيضاً فإنه إذا فعل ذلك كان أغض للبصر حال الرواح إلى الجمعة ففي القديم كن النساء يحضرن الجمعة. والله أعلم" (19).
2 - وقيل: أراد غَسّل غيره واغتسل هو؛ لأنه إذا جامع زوجته أحوجها إلى الغسل. هذا قول ذكره ابن خزيمة ولم ينسبه لأحد، وكذا ابن الأثير.
3 - وقيل: أراد بغَسّل غَسْلَ أعضائه للوضوء، ثم يغتسل للجمعة. ذكره ابن الأثير ولم ينسبه لأحد.
4 - وقيل: هما بمعنى واحد وكرره للتأكيد. قال الخطابي هو قول الأثرم صاحب الإمام أحمد.
5 - لم يذكره ابن الأثير وهو: أن (غَسَّل) معناه: غَسَلَ رأسه خاصة، لأن العرب لهم لمم وشعور، وفي غسلها مؤونة، فأفردها بالذكر، (واغتسل) يعني: سائر الجسد. وهو قول: مكحول، وسعيد بن عبدالعزيز التنوخي، وابن المبارك، وأبو عبيدة، وابن حبان، والبيهقي، والنووي. وذكر الطيبي أن الإمام أحمد رجع إلى هذا القول وترك القول الأول (20).
واستدلوا بما يلي:
أ - حديث أبي هريرة عن النبي {قال: "إذا كان يوم الجمعة فاغتسل الرجل وغسل رأسه .... الحديث" رواه ابن خزيمة (21) بإسناد صحيح كما قال الألباني.
ب - حديث طاوس قال: قلت لابن عباس: ذكروا أن النبي {قال: "اغتسلوا يوم الجمعة، واغسلوا رؤوسكم ... الحديث" رواه البخاري في صحيحه (22).
ت - ما جاء في بعض طرق هذا الحديث، وهي رواية عبادة بن نسي عن أوس الثقفي عن رسول الله {أنه قال: "من غسل رأسه واغتسل ... الحديث" رواه أبو داود (23).
قال البيهقي: "لأنهم كانوا يجعلون في رؤوسهم الخمطي (24) أو غيره، فكانوا أولاً يغسلون رؤوسهم ثم يغتسلون" (25).
6 - لم يذكره ابن الأثير وهو: أنه غَسَل ثيابه واغتسل لجسده. وهذا قول الغزالي، والعراقي كما ذكر الشوكاني (26).
ولعل القول الخامس هو الأكثر قوة؛ للأدلة عليه.والله أعلم.
مسألة: ما حكم غسل الجمعة؟
اختلف أهل العلم في غسل الجمعة على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه واجب، قال النووي: فحكي وجوبه عن طائفة من السلف حكوه عن بعض الصحابة، وبه قال أهل الظاهر.
وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمار وغيرهما وعن مالك. وحكاه الخطابي عن الحسن البصري ومالك. وحكاه ابن حزم عن عمر وجمع من الصحابة ومن بعدهم، وحكاه شارح الغنية لابن سريج قولاً للشافعي، وهو رواية في مذهب أحمد لمن تلزمه الجمعة، وهو من المفردات لكن لا يشترط لصحة الصلاة اتفاقاً (27).
واستدلوا بأدلة كثيرة منها:
1 - عن ابن عمر قال: قال رسول الله {: "إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل" رواه الجماعة (28) إلا أبا داود.
2 - وعن أبي سعيد أن النبي {قال: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" متفق عليه (29).
3 - وعن أبي هريرة عن النبي {قال: "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيامٍ يوماً يغسل فيه رأسه وجسده" متفق عليه (30). وغير ذلك من الأدلة.
الثاني: ذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار إلى أنه مستحب. قال القاضي عياض: وهو المعروف من مذهب مالك وأصحابه، وقد حكى الخطابي وغيره الإجماع على أن الغسل ليس شرطاً في صحة الصلاة، وأنها تصح بدونه (31).
واستدلوا بعدة أدلة منها:
1 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله {: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، واستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام". رواه مسلم وأبو داود والترمذي (32). قال ابن حجر: "إنه من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة" (33).
2 - وعن سمرة} قال: قال رسول الله {: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل". رواه النسائي والترمذي وأبو داود (34).
3 - قصة عمر عندما دخل عثمان المسجد وهو قائم على المنبر يوم الجمعة، فناداه عمر: "أية ساعة هذه؟ فقال: إني شغلت فلم أنقل إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد على أن توضأت، قال والوضوء أيضاً وقد علمت أن رسول الله كان يأمر بالغسل" متفق عليه (35)، وغير ذلك من الأدلة.
¥