القول الثالث: وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أنه واجب على من له عرق أو ريح يتأذى به الناس، وهو من المفردات عند الحنابلة (36).
والأقرب والله أعلم أنه مستحب.
مسألة: متى وقت الغسل في يوم الجمعة؟
اختلف أهل العلم على ثلاثة أقوال:
الأول: اشتراط الاتصال بين الغسل والرواح، وإليه ذهب مالك.
واستدل مالك بحديث ابن عمر قال: قال رسول الله {: "إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل". ونحوه من الأحاديث.
والثاني: عدم الاشتراط لكن لا يجزي فعله بعد صلاة الجمعة، ويستحب تأخيره إلى الذهاب، وإليه ذهب الجمهور.
واستدل الجمهور بالأحاديث التي أطلق فيها يوم الجمعة، لكن استدل الجمهور على عدم الاجتزاء به بعد الصلاة بأن الغسل لإزالة الروائح الكريهة (37). انتهى.
حديث فضل التبكير إلى الجمعة رواية ودراية 2 - 1
والثالث: أنه لا يشترط تقديم الغسل على صلاة الجمعة، بل لو اغتسل قبل الغروب أجزأ عنه، وإليه ذهب داود، وَنَصَرَه ابن حزم، واستبعده ابن دقيق العيد وقال: يكاد يجزم ببطلانه.
ولا شك أنه إذا كان الغسل متصلاً بالذهاب إلى الجمعة فهو أولى وأحسن؛ للأدلة الآتية:
1 - حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي {: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل" متفق عليه (38).
2 - حديث أبي هريرة} عن النبي {: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح .. " الحديث متفق عليه (39).
3 - حديث سلمان} قال: قال رسول الله {: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من الطهور، ويدهن من دهنه، ويمس من طيب بيته، ثم يخرج .. " الحديث رواه البخاري (40) والنسائي وغير ذلك من الأحاديث.
وأخذ الحافظ ابن رجب من حديث أبي هريرة: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح ... " قال: يدل على أن الغسل المستحب للجمعة أوله من طلوع الفجر، وآخره الرواح إلى الجمعة، فإن اغتسل قبل دخول يوم الجمعة لم يأت بسنة الغسل، كما لو اغتسل بعد صلاة الجمعة (41).
وقال أيضاً: وتأخير الغسل إلى حين الرواح أفضل، نص عليه أحمد وغيره (42).
وهذا الأخير هو الأفضل والأرجح في نظري، والله أعلم.
قوله: "وبكّر وابتكر".
قال ابن فارس: الباء والكاف والراء أصل واحد يرجع إليه فرعان هما منه، فالأول أوّل الشيء وبدؤه، فالبُكرة وهي الغداة، والجمع البُكر، والتبكير، والبكور، والابتكار، المعني في ذلك الوقت.
وقال الخليل: غيث باكور: وهو المبكِّر في أول الوسمي.
ويقال: بكرت الأمطار تبكيراً، وبكرت بكوراً: إذا تقدمت (43).
وقد اختلف العلماء في معنى هذا الجزء (بكر وابتكر) على أقوال:
1 - بكَّر: أتى الصلاة في أول وقتها، وكل من أسرع إلى شيء فقد بكّر إليه.
وأما ابتكر فمعناه: أدرك أول الخطبة، وأول كل شيء باكورته، وابتكر الرجل: إذا أكل باكورة الفواكه. وهو قول أبو عبيدة، وابن قتيبة، والزمخشري (44)، وأهل اللغة (45)، والعراقي، وذكره ابن الأثير (46).ورجحه الطيبي حيث قال: "أرى نقل أبي عبيدة أولى بالتقديم؛ لمطابقة أصول اللغة، ويشهد بصحته تنسيق الكلام، فإنه حث على التبكير، ثم على الابتكار، فإن الإنسان يعدو إلى المسجد أولاً ثم يستمع الخطبة ثانياً" (47).
وقال ابن قتيبة: وأما قوله: (بَكَّر) فإن العوام تذهب في هذا إلى أنه الغدو إلى المسجد الجامع، وليس كذلك إنما التبكير ها هنا إتيان الصلاة لأول وقتها، وكل من أسرع إلى شيء فقد بكّر إليه، ولذلك يقال: بكروا بصلاة المغرب أي: صلوها عند سقوط القرص، ويقال لأول شيء يأتي من الفواكه: باكورة؛ لأنه جاء في أول الوقت. وحدثني أبي قال حدثني أبو وائل عن شاذ بن فياض عن الحارث بن شبل عن أم النعمان الكندية عن عائشة قالت قال النبي {: "لا تزال أمتي على سنتي ما بكروا بصلاة المغرب".
وأما قوله (وابتكر) فإنه أراد أدرك الخطبة من أولها، وأولها بكورتها كما يقال ابتكر الرجل إذا أكل باكورة الفاكهة وابتكر إذا نكح بكراً أو تزوج بكراً، ومن الدليل على هذا التأويل حديث ... فذكر حديث أوس الثقفي (48) انتهى.
ويشهد لهذا القول رواية عبادة بن نسي: "من هجر على المسجد وابتكر".
ويشهد له أيضاً الرواية الأخرى في هذا الحديث التي وقعت من رواية يحيى بن الحارث، وعبدالرحمن بن زيد ابن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني - كما سبق "غدا، وابتكر".
¥