تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 - (بكَّر) أي: في بكرة النهار، وهي أوله. وابتكر: بالغ في التبكير - أي: جاء في أول البكرة. فهو للمبالغة والتوكيد. وهو قول الأثرم صاحب الإمام أحمد (49)، ودليله تمام الحديث: "ومشى ولم يركب" ومعناهما واحد. وجزم به ابن العربي (50).

3 - قول ابن الأنباري، وتابعه الخطابي: (بكّر): تصدق قبل خروجه، واستدلا بحديث "باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطاها" (51). وهذا حديث ضعيف (52).

4 - (بكَّر): راح في الساعة الأولى، (وابتكر): فَعَلَ فِعْلَ المبتكرين من الصلاة والقراءة وسائر وجوه الطاعة. ذكره النووي وحكاه عن الغزالي، والقاضي أبي الطيب (53).

مسألة: اختلف أهل العلم في أفضل وقت الذهاب إلى الجمعة؟ على قولين:

القول الأول: لا يستحب التبكير قبل الزوال، وهو قول مالك.

واستدل بعدة أدلة:

أ - قال الرسول {: "من راح إلى الجمعة". والرواح بعد الزوال، وعمل أهل المدينة أنهم كانوا لا يذهبون إلا بعد الزوال.

ب - عن أنس بن مالك} قال: قال رسول الله {: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها" (54) فالغدوة بالغداة، والرواح بعد الزوال.

ت - عن الأسود بن قيس عن أبيه قال: أبصر عمر بن الخطاب} رجلاً عليه أهبة السفر، فقال الرجل: إن اليوم يوم جمعة ولولا ذلك لخرجت، فقال عمر: "إن الجمعة لا تحبس مسافراً فاخرج ما لم يحن الرواح" (55).

القول الثاني: أفضل وقت من أول النهار، فكلما كان أبكر كان أولى وأفضل.وهذا مذهب الأوزاعي، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وابن المنذر (56).

واستدلوا بعدة أدلة:

أ - حديث أبي هريرة} أن النبي قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يسمعون الذكر" رواه البخاري ومسلم (57).

وفي رواية لهما: قال رسول الله {: "إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر ومثل المهجر كمثل الذي يهدي البدنة ثم كالذي يهدي بقرة ثم كالذي يهدي الكبش ثم كالذي يهدي الدجاجة ثم كالذي يهدي البيضة".

ب - وروى علقمة قال: "خرجت مع عبدالله بن مسعود إلى الجمعة، فوجد ثلاثة قد سبقوه، فقال رابع أربعة، وما رابع أربعة ببعيد، إني سمعت رسول الله {: "إن الناس يجلسون من الله - عز وجل - يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة" رواه ابن ماجه (58).

وقال العراقي: تعلق المالكية من هذا الحديث - حديث أبي هريرة السابق- بأمرين:

أحدهما: قوله فيه "يكتبون الأول فالأول" فأتى بالفاء المقتضية للترتيب بلا مهلة، فاقتضى تعقيب الثاني للأول، وكذا من بعده، ولو كان كما يقوله الجمهور من اعتبار أول النهار وتقسيمه إلى ست ساعات في النصف الأول من النهار، لم يكن الآتي في أول ساعة يعقبه الآتي في أول التي تليها.

والجواب عنه: أنه لا نزاع في أنهم يكتبون من جاء أولاً ومن جاء عقبه ... وهكذا، وهو إنما أتى بالفاء في كتابة الآتين، وأما مقدار الثواب فلم يأت فيه بالفاء.

(ثانيهما) قوله (المهجر) والتهجير إنما يكون في الهاجرة، وهي شدة الحر، وذلك لا يكون في أول النهار. والجواب عنه من وجهين:

1 - أن كون التهجير معناه الإتيان في الهجير، وهو شدة الحر، قول محكي عن الفراء وغيره. والذي قاله الخليل بن أحمد وغيره من أهل اللغة: إن التهجير: التبكير، فإن ثبت اشتراك اللفظ بين المعنيين فالحمل على هذا المعنى الثاني أولى ليوافق غيره من الأحاديث.

2 - أن المراد بالمهجر: من هجر منزله وتركه في أي وقت كان ... قاله بعض أصحابنا الشافعية، وقال القاضي عياض: وأقوى معتمد مالك في كراهية البكور إليها عمل أهل المدينة المتصل بترك ذلك، وسعيهم إليها قرب صلاتها، وهذا نقل معلوم غير منكر عندهم، ولا معمول بغيره، وما كان أهل عصر النبي {ومن بعدهم ممن يترك الأفضل إلى غيره ويتمالؤن على العمل بأقل الدرجات. وذكر ابن عبد البر أيضاً أن عمل أهل المدينة يشهد له.انتهى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير