تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من أحكام الشرب وآدابه]

ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[17 - 06 - 07, 05:54 م]ـ

[من أحكام الشرب وآدابه]

نعم الله تعالى على عباده كثيرة؛ خلقهم، ورزقهم وهداهم، وأطعمهم، وسقاهم، وآواهم. ومن كل ما يحتاجون أعطاهم؛ ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا.

وأعظمُ نعمةٍ أنعم الله بها على عباده المؤمنين: أن هداهم صراطه المستقيم، وشرع لهم هذا الدين العظيم، وأنزل عليهم كتابه الكريم، وتعبّدهم باتباع هدي رسوله الأمين {الذي ما ترك خيرًا إلا دلّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه، وأوضح لنا ما نحتاج إليه من عقائد، وعبادات، ومعاملات، وآداب.

آداب لحق النفس، وآداب لحق الغير. آداب في مأكلنا ومشربنا وملبسنا، وفي كل شؤوننا. نتعبد لله عزّ وجل بتلك الآداب، فتنقلب عاداتُنا إلى عبادات نؤجر عليها. وما يكون من طبيعة الإنسان، وتدعوه إليه غريزته كالأكل والشرب والنكاح يكون المسلمُ مأجورًا بفعله لها متى ما صحت النوايا، وجُردت فيها المتابعة لهدي النبي {.

وشربُ الماء من طبيعة الإنسان، ولا يعيش بلا ماء، بل هو من ضرورات الحياة، فكل الأحياء تشرب ولا تستغني عن الماء وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون {الأنبياء:30}، ومع ذلك فإن الشريعة جاءت بآداب وأحكامٍ للشرب، من راعاها كان مع تنعمه بالشرب، والتذاذه به من المثابين عليه.

ولأن الماء من ضرورات الحياة، كان الناسُ فيه شركاء، ولا يجوز لمسلم أن يمنع فضل مائه عن أخيه؛ بل إن بغيًا سقت كلبًا، فشكر الله تعالى لها، فغفر لها (1).

حكم الماء المبذول:

الماء المبرَّد المبذولُ في سوق أو مسجد أو غيره يشرب منه المحتاج إليه وهو العطشان سواء كان غنياً أم فقيراً.

سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن الماء الذي يُسقى الناس في المساجد والأسواق، أترى الأغنياء أن يجتنبوا شربه؟ قال: "لا؛ ولكن يشربون أحب إليَّ؛ إنما جعل للعطشان" (2).

استعذاب الماء:

طلبُ الماء البارد الحلو ليس من الترفّه المذموم، ولا ينافي الزهد؛ بل تركُ ذلك زهدًا يُعدُّ من الغلو والتشديد غير المشروع. فالنبي {وهو أزهد الناس كان أحبَّ الشراب إليه الحلوُ البارد (3).

وقد بوّب العلماء على استعذاب الماء.

قال البخاري: باب استعذاب الماء وروت عائشة رضي الله عنها "أن النبي {كان يُستعذب له الماء من بيوت السقيا" (4).

قال ابن بطال رحمه الله تعالى: "وأما شرب الماء الحلو وطلبه فمباح فقد فعله الصالحون، وليس في شرب الماء المالح فضيلة" (5).

[من أحكام الشرب وآدابه]

جعل الشارع الحكيم آداباً شرعية لمن أراد الشرب، من أخذ بها كان له أجر على التزام الشريعة، والعمل بالسنة، ومن فرط فيها حرم نفسه خيراً كثيراً: ومن تلك الآداب:

أولاً: الجلوس حال الشرب، ولا يشرب قائماً؛ لما روى أنس رضي الله عنه عن النبي {"أنه نهى أن يشرب الرجل قائمًا. قال قتادة: فقلنا: فالأكل؟ فقال: ذاك أشرُّ أو أخبث" رواه مسلم (6).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله {: "لا يشربن أحد منكم قائمًا، فمن نسي فليستقيء" رواه مسلم (7).

وقد عورضت هذه الأحاديث بما يلي:

أ حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "شرب النبي {قائمًا من زمزم" (8).

ب حديث النَّزَّال بن سبرة قال: "أتى علي رضي الله عنه على باب الرحبة بماء فشرب قائمًا فقال: إن ناسًا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم وإني رأيت رسول الله {فعل كما رأيتموني فعلت" (9).

ج حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: "لقد كنا نأكل على عهد رسول الله {ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام" (10).

د حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "رأيت الرسول يشرب قائمًا وقاعدًا" (11).

ه ما رواه مالك في الموطأ عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر وابن الزبير أنهم كانوا يشربون قيامًا، وأن سعد بن أبي وقاص وعائشة لا يريان في ذلك بأسًا (12).

قال ابن عبد البر بعد أن ساق هذه الآثار: "الأصل الإباحة حتى يرد النهي من وجه لا معارض له، فإذا تعارضت الآثار سقطت، والأصل ثابت في الإباحة حتى يصح الأمر أو النهي بما لا مدفع فيه" (13) ا ه.

ومن أجل هذا التعارض وقع الخلاف بين العلماء في حكم الشرب قائمًا كما اختلفت توجيهاتهم لهذه الأحاديث:

1 فأبطل بعضهم أحاديث المنع بحجة أنها لا تقاوم ما في الصحيحين مع أن منها أحاديث في صحيح مسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير