تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حتى لقنوه صغارهم، وأدبوا عليه أطفالهم؛ فنشأ الصغير محباً لكتاب الله، وترعرع الطفل على محبة كلام الله؛ فأصبحت قلوبهم معلقةً بهذا الكتاب، وأصبحت مساجدهم تعج بأصواتهم تلاوةً للقرآن وتفسيراً. وكل ذلك يدلنا على منزلة كلام الله عند عباد الله الأخيار، وصفوته الأبرار من سلف هذه الأمة الصالح. ومن هنا نقول: لا صلاح للخلف إلا بترسم منهج السلف، كما قال الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس رحمه الله: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها). ......

فلما تنكب العباد عن هذا الهدي القويم، وحادوا عن هذا الصراط المستقيم، وأصبح كتاب الله مهجوراً، وتلاوته غروراً، وأصبح الإنسان لا يعرف القرآن إلا بلسانه، أما العمل والتطبيق والتحقيق للغاية منه، والسير على هذا المنهج -منهج النبي والصحابة- فغائب عن واقع حياتنا. ولما أصبحنا بهذه المثابة وتنكبنا عن صراط الله، وذهبت حلاوة القرآن من القلوب، وأصبح كثير من الناس لا يجد لكلام الله أثراً، ولا يجد له لذة وعظةً في قلبه وفؤاده؛ صرنا إلى ما نحن فيه الآن. من هنا علمنا أن الداء كل الداء، والبلاء كل البلاء في إعراضنا عن كتاب الله، وصدق الله عز وجل إذ يقول في محكم كتابه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124 - 126]. إن أحَبُّ المجالس إلى الله مجلس يُعْمَر بكلام الله، وأطيب الحديث حديثٌ يذكَّر فيه بكلام الله. ومن هنا أحببنا أن يكون هذا المجلس في تفسير كلام الله عز وجل، وفي بيان ما اشتمل عليه هذا الكلام من نَظْم بديع، ومعنى رفيع، يهدي إلى صراط الله عز وجل المستقيم، وسبيله القويم. أحببنا أن نتشرف بالتأسي بالسلف الصالح، فنُبَيِّنُ -ويُبَيَّنُ لنا- ما في هذا الكتاب من عظات، علها أن تكون سبباً لنا في القُرْب من رب الأرض والسماوات. ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل هذا المجلس خالصاً لوجهه، نافعاً يوم لقائه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأن يوفقنا فيه لصلاح القول والعمل. ......

قد كنتُ أحب أن أبتدئ مباشرة بتفسير هذه السورة التي اخترناها -أعني: سورة النور- ولكني نظرت إلى الجمع وعلمت أن الكثير يحتاج إلى شيءٍ نمهد به لبيان هذه السورة، وبيان مكانتها ومنزلتها، بعد أن نبين فضل القرآن وفضل العناية به؛ فلذلك أحببت أن أقدم بهذه المقدمة، وقد كان من المقرر أن نتكلم على بعض الأمور المهمة التي ينبغي لكل طالب علم أن يعتني بها في تفسير كتاب الله عز وجل؛ ولكني نظرتُ إلى الجمع ووجدت أن بيننا أناساً لهم حق علينا، وأن ذكر هذه المسائل قد يشوش عليهم، فآثرت أن يكون الكلام على قواعد التفسير ومسائله وضوابطه عند العلماء رحمهم الله هو خاتمة سورة النور إن شاء الله تعالى. وبعد أن ننتهي من تفسيرها بإذن الله عز وجل، سنتكلم بإسهاب في قواعد التفسير وضوابطه عند سلف الأمة وخلفها رحمة الله على الجميع. ونسأل الله عز وجل أن يمن علينا جميعاً بالتوفيق والسداد. وإنما قدمت بهذه المقدمة لما رأيت معنا الكثير من العوام، والذين يحتاجون إلى أن يُذكَّروا بهذه الذكرى، وإلا كان من المقرر أن نبدأ مباشرة في التفسير. وأنبه هنا على أمر: وهو أني كنت أحب أن يكون التفسير بذكر القراءات، وأوجه اللغات، والبسط في الأحكام والمسائل الفقهية، ولكني أخشى أيضاً التشويش على العامة. ومن هنا إن شاء الله سيكون تفسيرنا بإذن الله وسطاً لطلاب العلم بحيث يكون كالبداية لطالب العلم؛ لأننا لا نحب أن يكون فيه تشويش على العامة، كما ورد في الأثر: (حدثوا الناس بما يعلمون). فإن شاء الله سيكون في هذا القدر حظ لطالب العلم، وللعامي حتى تكون الفائدة للجميع. وسنبدأ إن شاء الله بسورة النور، وسيكون منهجنا بإذن الله عز وجل التركيز أكثر ما يكون على بيان العقيدة والأحكام الشرعية وما يتبع ذلك من الآداب. ......

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير