تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سورة النور، هذه السورة العظيمة سميت بالنور لقول الله تبارك وتعالى فيها: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النور:35]، وهذه التسمية لهذه السورة الكريمة إنما هي من باب تسمية الشيء بما ورد فيه، فتسمية سور القرآن بما ورد فيها من الحوادث، أو بما ورد فيها من الأحكام المهمة؛ وهو منهج موجود في كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك سميت بهذا الاسم لشرف الآية المذكورة، قال العلماء: إن تسمية السور بما ورد فيها يعتبر من باب الدلالة على ذلك الجزء المسمى به، سواء كان حكماً، أو كان قصةً، أو كان خبراً. وهذه السورة مدنية بالإجماع، نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، و السور المدنية التي تمتاز ببيان الشرائع والأحكام.

استفتح الله تبارك وتعالى هذه السورة بتنبيه العباد إلى فضلها، وعلو مكانها ومنزلتها. فقال جل من قائل بعد أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحَيْمِ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور:1] قد كان من عادة القرآن أن تُسْتَفتح السور فيه بمقاصده، ويذكر الله عز وجل فيها ما يذكره، ولكن هذه السورة خاصة استفتحها الله عز وجل بتنبيه العباد على عظيم شأنها، ولذلك اعتُبر من خصائص سورة النور أن الله عز وجل استفتحها ببيان فضلها، فهذه منزلة لسورة النور لم تشاركها فيها غيرها من سور القرآن.

ثم انتقلت الآيات إلى بيان أسباب الشرور والفتن والمحن كلها، وذلك في آيةٍ مشتملةٍ على وصية من الله، يقول الله عز وجل فيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور:21]، فرَدَّ الأمور إلى أسبابها، وأقامها في نصابها، وبيَّن أنها بسبب تتبع الشيطان، وأن الإنسان لا يُبْلى بفاحشة ولا منكر إلى من طريقه

ثم مضت السورة إلى ما يتبع ذلك من بيان عظمة الله تبارك وتعالى وجلاله، فتحدثت عن آيات الله في الكون، فذكَّرت بآياته على الأرض، وذكرت بآياته في السماء، وذكَّرت بآياته بين السماء والأرض، حتى ذكّرت بالطير صافات، تسبح بحمد ربها، وتذكر خالقها، فحركت هذه الآيات من المؤمن أحاسيسه ووجدانه في طاعة الله عز وجل وذكره

ثم انتقلت هذه الآيات بعد ذلك إلى بيوت المسلمين، فأدبت الصغير والكبير في الدخول والخروج، وأثبتت وجوب الاستئذان، وبيَّنت حدوده وزمانه، وبيَّنت البيوت التي يجب الاستئذان عند دخولها، والبيوت التي لا حرج في دخولها من دون استئذان. ثم انتقلت الآية من مَعْلَمِ خير إلى مَعْلم خير آخر، حتى خُتِمت بالدلالة على عظمة الله، وبيان جلال الله تبارك وتعالى. وهذا كله بأسلوب رفيع، ونظم بديع، يذكر بالله العظيم السميع. وبداية ومع هذه السورة الكريمة نسأل الله عز وجل أن يفتح علينا فيها فتوح العارفين به، وأن يلهمنا سداد القول والعمل. والله تعالى أعلم.

ثم بعد ذلك انتقلت هذه السورة الكريمة إلى قضية عظيمة عاشها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاشتها أم المؤمنين في أيام عصيبة، وليالٍ مؤلمة، لا يعلم ما بلغ بها من الهم والغم غير ربها، فقد عانت ولاقت ما لاقت حتى جعل الله لها فرجاً ومخرجاً، فجاءت هذه الآيات سلواناً للمؤمنات، إذا قُذِفت المؤمنة وأوذيت في عرضها تذكرت بتلك الآيات أمها، فصَبَرت، وسَلَت وتعزَّت

وهذه السورة بيَّن الله تبارك وتعالى فيها جملة من الشرائع والأحكام، وبيَّن فيها آداب شريعة الإسلام، إذ بيَّن في مطلع هذه السورة الكريمة فضلها، وبعد آية واحدة من مطلعها؛ إذا بآياتها تفاجئك بحد من حدود الله وعقوبة من عقوباته التي كسر بها شوكة الفسق، وقطع بها دابر الفجور والعصيان، هذا الحد هو حد الزنا الذي صان الله عز وجل به أعراض المسلمين، وحفظ به بيوت عباده المؤمنين، فبين سبحانه وتعالى وجوب حد الزنا، وبين مقداره ولزومه، وأوجب على العباد أن يقوموا به، ولا تأخذهم في الله لومة لائم في أداء ذلك الحد والقيام به على وجهه، وبعد تلك الآيات القصيرة في بيان هذا الحد العظيم، إذا به يستفتح بحد آخر وهو حد القذف الذي أدب به ألسن عباده المؤمنين، فصانهم عن قذف

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير