تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واستدل أصحابُ بما استدل به أصحابُ القولِ الأولِ ولكنهم حملوا حديثَ بُرَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ الآنف على الكراهةِ وليس على التحريمِ.

قال الإمامُ النووي في " شرح مسلم " (7/ 177): " قال بعضُهم: النهي عن المثلةِ نهي تنزيهٍ، وليس بحرامٍ ".ا. هـ.

وقال ابنُ قدامةَ في " المغني " (10/ 565): " يُكْرَهُ نَقْل رُءُوسِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، وَالْمُثْلَةُ بِقَتْلَاهُمْ وَتَعْذِيبُهُمْ ".ا. هـ.

القولُ الثالثُ:

يمثلُ بالكفارِ إذا مثلوا بالمسلمين معاملةً بالمثلِ.

واستدلوا بقولهِ تعالى: " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ " [النحل: 126].

قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الفتاوى " (28/ 314): " فَأَمَّا التَّمْثِيلُ فِي الْقَتْلِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ وَقَدْ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً إلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ حَتَّى الْكُفَّارُ إذَا قَتَلْنَاهُمْ فَإِنَّا لَا نُمَثِّلُ بِهِمْ بَعْدَ الْقَتْلِ وَلَا نَجْدَعُ آذَانَهُمْ وَأُنُوفَهُمْ وَلَا نَبْقُرُ بُطُونَهُمْ إلَّا إنْ يَكُونُوا فَعَلُوا ذَلِكَ بِنَا فَنَفْعَلُ بِهِمْ مِثْلَ مَا فَعَلُوا ". وَالتَّرْكُ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلَّا بِاللَّهِ ".ا. هـ.

وقال ابنُ مفلح في " الفروعِ " (6/ 218): " وَيُكْرَهُ نَقْلُ رَأْسٍ، وَرَمْيُهُ بِمَنْجَنِيقٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِي رَمْيِهِ: لَا يَفْعَلُ وَلَا يُحَرِّقُهُ. قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبُوهُ، وَعَنْهُ إنْ مَثَّلُوا مُثِّلَ بِهِمْ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ شَيْخُنَا " يعني ابنَ تيميةَ ": الْمُثْلَةُ حَقٌّ لَهُمْ، فَلَهُمْ فِعْلُهَا لِلِاسْتِيفَاءِ وَأَخْذِ الثَّأْرِ، وَلَهُمْ تَرْكُهَا وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ، وَهَذَا حَيْثُ لَا يَكُونُ فِي التَّمْثِيلِ بِهِمْ زِيَادَةٌ فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَكُونُ نَكَالًا لَهُمْ عَنْ نَظِيرِهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّمْثِيلِ الشَّائِعِ دُعَاءٌ لَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ، أَوْ زَجْرٌ لَهُمْ عَنْ الْعُدْوَانِ، فَإِنَّهُ هُنَا مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ، وَلَمْ تَكُنْ الْقِصَّةُ فِي أُحُدٍ كَذَلِكَ، فَلِهَذَا كَانَ الصَّبْرُ أَفْضَلَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُغَلَّبُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَالصَّبْرُ هُنَاكَ وَاجِبٌ، كَمَا يَجِبُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِصَارُ، وَيَحْرُمُ الْجَزَعُ، هَذَا كَلَامُهُ وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنْ مَثَّلَ الْكَافِرُ بِالْمَقْتُولِ جَازَ أَنْ يُمَثَّلَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْإِجْمَاعِ قَبْلَ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ خِصَاءَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالْعَبِيدِ وَغَيْرِهِمْ فِي غَيْرِ الْقِصَاصِ وَالتَّمْثِيلَ بِهِمْ حَرَامٌ ".ا. هـ.

وقال الإمامُ ابنُ القيمِ في حاشيته على سنن أبي داود (12/ 278): وَقَدْ أَبَاحَ اللَّه تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُمَثِّلُوا بِالْكَفَّارِ إِذَا مَثَّلُوا بِهِمْ , وَإِنْ كَانَتْ الْمُثْلَة مَنْهِيًّا عَنْهَا. فَقَالَ تَعَالَى: " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ " [النحل: 126] وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَة بِجَدْعِ الْأَنْف وَقَطْع الْأُذُن , وَبَقْر الْبَطْن وَنَحْو ذَلِكَ هِيَ عُقُوبَة بِالْمِثْلِ لَيْسَتْ بِعُدْوَانٍ , وَالْمِثْل هُوَ الْعَدْل ".ا. هـ.

قال الشيخ أبو عمر محمد السيف -حفظه الله- في (هداية الحيارى في قتل الأسارى): "وقد وصلنا عندما كنا في أفغانستان فتوى لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله مفادها، عندما سئل عن التمثيل بجثث العدو، فقال إذا كانوا يمثلون بقتلاكم فمثلوا بقتلاهم لا سيما إذا كان ذلك يوقع الرعب في قلوبهم ويردعهم والله تعالى يقول: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ". اهـ

وقد جاء في سببِ نزولِ قولهِ تعالى: "

عَنْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مِنْ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا، وَمِنْ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ فِيهِمْ: حَمْزَةُ؛ فَمَثَّلُوا بِهِمْ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: " لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْمًا مِثْلَ هَذَا لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ " فَقَالَ رَجُلٌ: " لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُفُّوا عَنْ الْقَوْمِ إِلَّا أَرْبَعَةً ".

رواه الترمذي (3129) وقال: " حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ "، وأحمد (5/ 135) من زوائدِ عبد الله، وأوردهُ الشيخُ مقبل الوادعي في " الصحيحِ المسندِ من أسبابِ النزول " (ص 91).

الترجيح:

وبعد عرضِ الأقوالِ في المسألةِ، الذي تميلُ إليهِ النفس – واللهُ أعلم – ما قررهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ، وتلميذهُ ابنُ القيم، والشيخُ ابنُ عثيمين رحمهم الله.

كتبه

عَبْد اللَّه بن محمد زُقَيْل

انتهى المقصود من البحث

http://saaid.net/Doat/Zugail/310.htm

تنبيه

هذا جزء من البحث

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير