وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) رواه الترمذي (2685) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والدعوة إلى الله لها وسائلها المتنوعة، وطرقها الكثيرة، كالكلام المباشر، في الخطب والمواعظ والمحاضرات، وعبر الأشرطة، والكتابة عبر الرسائل، والنشرات، وفي المنتديات.
ومن ذلك: إنشاء المنتديات النافعة، والإشراف عليها، وتوجيه أهلها، والتعليق على ما مقالاتهم ومشاركاتهم، فكل ذلك من وسائل الدعوة إلى الله تعالى، وتعليم الناس الخير.
بل هذه المنتديات أصبحت وسيلة رائدة في التوجيه، والإصلاح، والدعوة والاحتساب، وللقائمين عليها أجر عظيم على قدر نياتهم وأعمالهم، وبذلهم وعطائهم.
وعليه؛ فينبغي أن تحتسبي الوقت الذي تقضينه في متابعة هذه المشاركات والتعليق عليها وتوجيه أصحابها، لكن مع الحذر من أن يشغلك هذا عما هو أهم وأنفع، كالقيام بمسئولية الزوج والأولاد، وتحصيل العلم الشرعي، والمحافظة على قراءة القرآن والأوراد، فإن بعض الناس ينشغل بمتابعة المنتديات عن أعمال أهم، وقربات أعظم، والفقه هو معرفة الأولويات، وتقديم الأهم على المهم.
وما أجمل أن يضرب الإنسان في كل غنيمة بسهم، فيكون له حظ من هذا ومن هذا، يهتم بما ينفع نفسه وما ينفع غيره، يسعى في الارتقاء بنفسه علما وعملا، ويبذل من وقته في نفع الآخرين ودعوتهم وإصلاحهم، فلا يشغله حق عن حق، ولا يصرفه خير عن خير، وبهذا يجعل الله لكلامه تأثيرا، ولنصحه فائدة، لأنه قرن القول بالعمل، وكان شعاره: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود/88.
والنفس تحتاج إلى فقه في التعامل معها، فيغتنم الإنسان فترة إقبالها وحضورها، فتارة يكون ذلك بقراءة القرآن، والإكثار من النوافل، وتارة بحضور مجالس العلم ومطالعة كتبه، وتارة بدخول المنتدى والإشراف عليه، فأفضل العبادة ما صادف حضور النفس وإقبالها وانشراحها، ووافق وقت الحاجة إليها.
ولابن القيم رحمه الله كلام نافع جدا في المفاضلة بين العبادات، نورد شيئا منه، فمن ذلك قوله رحمه الله: " وكذلك حال القلب، فكل حال كان أقرب إلى المقصود الذي خلق له فهو أشرف مما دونه، وكذلك الأعمال، فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصود كان أفضل من غيره، ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال وأفضلها لقرب إفضائها إلى المقصود، وهكذا يجب أن يكون، فإنه كلما كان الشيء أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها، فالعمل المعد للقلب المهيئ له لمعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته وخوفه ورجائه أفضل مما ليس كذلك. وإذا اشتركت عدة أعمال في هذا الإفضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المفضى، ولهذا اشتركت الطاعات في هذا الإفضاء فكانت مطلوبة لله، واشتركت المعاصي في حجب القلب وقطعه عن هذه الغاية فكانت منهيا عنها، وتأثير الطاعات والمعاصي بحسب درجاتها. وها هنا أمر ينبغي التفطن له وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره.
فالغنى الذي بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة.
والشجاع الشديد الذى يهاب العدو سطوته، وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع. والعالم الذى قد عرف السنة والحلال والحرام وطرق الخير والشر، مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح " انتهى من "عدة الصابرين" ص (93).
وقال أيضا:
" إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن.
والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا: القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل.
¥