تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حكم التعهد باحترام القانون الوضعي، أو التوقيع على شرط الترافع للقانون عند النزاع]

ـ[عبد العزيز بن سعد]ــــــــ[18 - 07 - 07, 03:42 م]ـ

مسلّمات شرعية، تحرر محل النزاع:

1. الموافقة على الترافع إلى الشريعة واجب، ورفض ذلك أمر محرم، ومن علامات أهل النفاق، لوقوله عز وجل: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً" (سورة النساء آية: 61)، ووجه الدلالة أن الله تعالى وسم من يصد ويرفض التحاكم إلى الشريعة بالنفاق، مما يدل على تحريمه. وفي سورة النور، يذكر الله تعالى حال من يرفض التحاكم إلى الشرع، فقال تعالى:" وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) ". وقد نفى اللهُ الإيمانَ عن مَن أراد التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، من المنافقين، كما في قوله تعالى: "أَلمْ تَرَ إلى الذينَ يَزْعُمونَ أنّهم آمنوا بما أُنْزِلَ إليكَ وما أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدونَ أنْ يَتَحاكَموا إلى الطاغوتِ وقدْ أُمِروا أنْ يكفُروا به ويُريدُ الشيطانُ أنْ يُضلّهم ضلالا بعيدًا" (النساء: 60). قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:" في الآية ذم المدعين الإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله كما يصيب ذلك كثيرا ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك الترك وغيرهم، وإذا قيل لهم: تعالوا إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا عن ذلك إعراضا" (مجموع الفتاوى 12/ 340.). وقال ابن القيم رحمه الله:" أخبر سبحانه أن مَنْ تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حَكَّم الطاغوت وتحاكم إليه، والطاغوت كل ما تجاوز به العبدُ حدَّه من معبود أو متبوع أو مُطاع" (إعلام الموقعين 1/ 50.).

2. الردّ إلى غير الشرع عند تنازع المتنازعين، مناقضة ومعاندة لقول الله عزّ وجلّ في سورة النساء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) إلى أن قال سبحانه:" فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65). ووجه الدلالة: أن الله نفى الإيمان عمن لم يحكم الشرع، وأوجب عليه أن يرضى ويسلم بالحكم الشرعي. كما ذكر الله سبحانه من يدعى إلى تحكيم الشريعة فيتولى ويعرض، في معرض العجب من فعلهم، قال تعالى:" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون" (آل عمران:23). وقد جعل الله تعالى التحاكم لشرعه وحده، فقال تعالى:" أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) ". وقد نص الله على أن الحكم والتحاكم عبادات فقال تعالى (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) يوسف 40، ولا يجوز صرف العبادة إلا لله، وقال سبحانه:" وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ" (الشورى:10).

3. لا يمكن أن يعتقد مسلم أن قضاء أو نظاما أحسن من حكم الله تعالى، وكل حكم غير حكم الشرع فهو حكم بالجاهلية ولا حُكم أحسن من حُكمه سبحانه وتعالى: "أَفَحُكمَ الجاهليةِ يَبْغونَ ومَنْ أحسنُ مِن اللهِ حُكمًا لِقومٍ يُوقِنون" (المائدة: 50). ووجه الدلالة من الآية: إنكار الله تعالى على من يبتغي التحاكم إلى حكم غير حكم الله سبحانه.

4. لا يجوز طاعة من كره ما نزل الله فقد قال سبحانه في سورة محمد:" إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) ". ومن هذه المسلمات سيكون البدء في محل النزاع، وبحث الحلول الشرعية بعد التسليم بها.

أسأل الله أن يرزقنا الهدى والسداد ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير