تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتقبل الشهادة بالردة مُطْلَقاً دون تفصيل لأن الشاهد بها لا يقدم على ذلك إلا بمزيد من التحري والدقة لخطر الحكم بها وقيل يجب التفصيل وذلك بأن يذكر الشاهد سببها لاختلاف الناس فيما يوجبها فعلى الأول لو شهدوا بردة فأنكر حُكِمَ بالشهادة أي فلو شهد عدلان بردته فقال كذبا عليّ أو قال ما ارتددت قُبِلَت شهادتهما ولا يغنيه التكذيب بل يلزمه بما يصير به الكافر مسلماً ولا ينفعه في ذلك بينونة زوجته. فلو قال: كنت مُكْرَهاً، واقتضته قرينة كأسر كفار يُنْظَرُ إلى القرائن التي تشهد له بأن كان أسيراً عند الكفار أو كان محفوفاً بجماعة منهم وقد قيدوه فيقبل قوله ولا يحكم بكفره لأن الحبس والقيد إكراهٌ على الظاهر. وإن قامت بينة على أنه كان يشرب الخمر ويأكل الخنزير في دار الكفر لم يحكم بكفره لأنها معاصٍ وقد يفعلها المسلم وهو يعتقد تحريمها فلم يُحْكَمْ بكفره وإن مات وَرِثَهُ وَرَثتُهُ المسلمون لأنه محكوم ببقائه على الإسلام.

صدق بيمينه عملاً بالقرينة المشعِرَة بصدقه وإلا أي وإن لمتقتضيه قرينة كأن كان بدار كفر وهو مخلّى السبيل ولا سلطان عليه للكفار فلا يقبل قوله فيحكم ببينونة زوجته التي لم يدخل بها ويطالب بالنطق بالشهادتين ولو قالا لَفَظَ لفظَ كُفْر فادّعى إكراهاً صدق مطلقاً أي إذا لم يقل الشاهدان ارتدَّ وإنما قالا تلفظ بكلمة الكفر فقال: صدقا في قولهما ولكنني كنت مُكْرَهاً فيقبل قوله لأنه ليس مكذباً للشاهدين والأصل أن يجدد كلمة الإسلام لأن لفظ الردة وجِدَ والأصل في الإنسان الاختيار لا الإكراه. ولو مات معروفٌ بالإسلام عن ابنين مسلمين فقال أحدهما ارتدَّ فمات كافراً كأن قال رأيته يسجد لصنم أو سمعته ينطق بكلمة الكفر لم يرثْهُ ونصيبه فيءٌ وكذا يكون نصيبه فيئاً إن أطلق أي أن لم يبين سبب كفره في الأظهر معاملة له بإقراره والقول الثاني يُستفْصَلُ فإن ذكر ما هو كفر كان فيئاً وإن ذكر ما ليس بكفر صرف إليه ولو قال مات وهو يشرب الخمر فيرثه لأنه من أهل المعاصي ويجب استتابة المرتدِّ والمرتدّة لما روى مالك في الموطأ والبيهقي في السنن عن عمر ومثله عن أنس (أنه لما ورد على عمر بن الخطاب فتح تُسُتَرَ قال لهم: هل من مُغَرِّبَة خبر؟ (أي خبر غريب) قالوا: نعم رجل ارتدَّ عن الإسلام ولحق بالمشركين فلحقناه فقتلناه، قال: فهلا ادخلتموه بيتاً وأغلقتم عليه باباً وأطعمتموه كل يوم رغيفاً واستتبتموه ثلاثاً؟ فإن تاب وإلا قتلتموه، اللهم إني لم أشهد ولم آمُرْ ولم أرضَ إذ بلغني).

وكتب ابن مسعود إلى عثمان في قوم ارتدوا فكتب إليه عثمان: (اعرض عليهم دين الحق وشهادة أن لا إله إلا الله فإن أجابوا فخلِّهم وإن أبوا فاقتلهم).

وفي قول تستحب استتابة المرتد والمرتدة كالكافر فقد أخرج البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من بدّل دينه فاقتلوه ولا تعذِّبوا بعذاب الله تعالى) فأوجب قتله ولم يوجب استتابته ولأنه لو قتله قاتل قبل الاستتابة لم يجب عليه ضمانه كما أن عمر لم يوجب الضمان على الذين قتلوا المرتد قبل استتابته فلو كانت واجبة لوجب ضمانه. وهي أي الاستتابة في الحال فإن تاب تُرك وإلا قُتِلَ ولأن قتله حدٌّ فلا يؤخر كسائر الحدود وهو الذي نصره الإمام الشافعي فقد روى البيهقي والدارقطني عن جابر (أن امرأة يقال لها أم رومان ارتدت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت) وفي رواية: فأبت أن تُسلِمَ فقتلت، قال الحافظ ابن جحر: وقع في الأصل أمّ رومان وهو تحريف والصواب أمّ مروان.

وفي قول ثلاثة أيام أي يمهل المرتد ثلاثة أيام أن الاستتابة إنما تُراد لزوال الشبهة فَقُدِّرَ ذلك بثلاث لأنها أخرجت القلة وأول حد الكثرة. ولقد روى البيهقي في السنن عن محمد بن عبدالله بن عبدالقاري عن أبيه أن عنر قال في المرتدّ (فهلا أدخلتموه بيتاً وأعلقتم عليه باباً وأطعمتموه كل يوم رغيفاً واستتبتموه ثلاثاً). قال الشافعي رحمه الله: مَنْ لم يتأنى بالمرتد زعموا أن هذا الأثر ليس بمتصل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير