تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونبه د. محمد الأشقر هنا إلى أنه إذا نص القرآن على أمر دنيوي فهو حق لا مرية فيه؛ لأنه من الله تعالى الذي لا يخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض. فإذا كان الحديث النبوي في الشؤون الدنيوية استجابة لإرشادات القرآن التي تتعلق بذلك الأمر، فيكون الفعل بيانا أو امتثالا للقرآن، ويحمل على الشرعي. ولعل خير مثال على ذلك شربه صلى الله عليه وسلم العسل للتداوي، فإن ذلك تطبيق لقوله تعالى: (يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ). وشبيه بذلك ما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه فعله عن وحي من الله تعالى.

كما نبه الأشقر إلى أمر آخر وهو أنه إذا تردد الفعل بين أن يكون دنيويا أو دينيا، حمل على الديني؛ لأنه الأكثر من أفعاله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.

الأحاديث الواردة في شأن الطب والعلاج

بعد تأصيل القواعد العامة التي ذكرت، والتي تصدق على جميع الأحاديث النبوية المتعلقة بالشؤون الدنيوية المختلفة، نخص بالكلام الأحاديث الواردة في الشؤون الطبية بالذات، بتطبيق القواعد السابقة عليها فنقول:

إن الأحاديث المذكورة نوعان رئيسيان:

أولهما: ما يعتبر شرعا يتبع، ويعمل به، كسائر الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في شؤون الاعتقادات والعبادات والمعاملات والأحكام المختلفة التكليفية والوضعية.

والآخر: ما لا يعتبر شرعا، ولا يلزم العمل به، وسبيله سبيل الشؤون الدنيوية التي تقدم بيانها، يعتبر قول النبي صلى الله عليه وسلم فيها كقول سائر الناس:

1 - ما هو شرع من أحاديث الطب:

النوع الأول: وهو ما ورد من الأحاديث في الطب ويعتبر شرعا يتبع، يشمل فئات:

الفئة الأولى:

أ- ما كان من الأحاديث الواردة في حكم أصل العمل بالطب والمعالجات وتناول الأدوية. فهذا النوع شرع يتبع. وقد وردت في أصل العمل بالطب أحاديث منها: حديث الأمر بالتداوي، وأن الله تعالى ما أنزل داء إلا أنزل له دواء، غير داء واحد، اختلفت الأحاديث في تعيينه، ففي بعضها: هو الهَرَم، وفي بعضها: هو الموت.

ومثلها الأحاديث التي تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مرض يتداوى، وربما سأل الأطباء عن دواء مرضه، وكانت وفود العرب تصف له الأدوية، فكانت عائشة رضي الله عنها تعالج له تلك الأدوية أي تمزجها وتهيئها، ومن ثم كان لها علم بالطب.

ب- ومنها حديث أبي رمثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لطبيب: "الله الطبيب، بل أنت رفيق، طبيبها الذي خلقها" رواه أبو داود. هذا الحديث إقرار للعمل بالطب. وفيه التنبيه إلى قوى البرء المركبة في البدن الإنساني في أصل خلقته، وأن مهمة الطبيب الرفق بالمريض لإتاحة الفرصة لهذه القوى كي تعمل عملها.

الفئة الثانية: أحاديث فيها توجيهات شرعية متعلقة بعملية التداوي وشؤون المرضى:

أ- من ذلك حديث البخاري عن الصحابية ربيع بنت معوذ، قالت: "كنا نغزو مع رسول الله حتى نسقي القوم، ونخدمهم، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة". ففيه جواز مداواة المرأة للجرحى من الرجال.

ب- ومنها أحاديث الأمر بعيادة المريض، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعودهم، حتى "إن غلامًا يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: أسلم. فأسلم"، وكان إذا عاد المريض ربما وضع يده على جبهته، ومسح على صدره وبطنه، ودعا له. نقل البخاري أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك عندما زار سعدًا. وربما رقى المريض. ففي صحيح البخاري من حديث عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضا، أو أُتي إليه به قال: "أذهب البأس رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا".

ج- ومنها حديث النهي عن التداوي بالمحرمات: كحديث أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر يتداوى بها فقال: "إنها ليست بدواء ولكنها داء" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي. وكحديث: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" رواه عبد الرزاق والطبراني مرفوعا. ورواه الحاكم عن ابن مسعود موقوفا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير