وكأنه يريد عدم استحسان ذلك لما في ماء زمزم من شرف ورفعة، والله تعالى اعلم.
ويستدل على جواز ذلك باطلاق وعموم النصوص الواردة في جواز التطهير بالمياه المطلقة الطهور، بلا فرق بين زمزم وغيرها، ولعدم ثبوت نهي عن الاغتسال بماء زمزم.
واما ما روي عن العباس رضي الله عنه، عم النبي صلى الله عليه وسلم، وصاحب السقاية من قوله في زمزم: ((لا أُحلّها لمغتسلٍ، وهي لشارب ومتوضيء حلّ وبلّ)).
ومعنى (بِلّ): المباح، وقيل الشفاء.
فقوله هذا، ومنعه من الاغتسال به سببه ما راى من كشف العورات عند زمزم بسبب الاغتسال به، وارتكاب المُحرّمات من جرّاء ذلك، فيُقصر منعه، لكونه مسؤولاً عن السقاية، على مثل هذا.
وقد روي عن سفيان بن عيينه راوي هذا الخبر عن العباس صلى الله عليه وسلم، انه قال: ((يعني لمغتسل فيها، وذلك ان العباس، وجد رجلاً من بني مخزوم، وقد نزع ثيابه، وقام ليغتسل من حوضها عرياناً))
فنهاه، عن الاغتسال بزمزم لينزّه المسجد الحرام عن وقوع المحرم فيه، من كشف العورات ونحوها، كما يحصل من جهلة عامة الناس حين يغتسلون بزمزم، ويحتمل ان يكون نهي العباس، عن الاغتسال بزمزم، ((لينزّه المسجد عن ان يُغْتسل فيه من الجنابة))
اما تطهير النجاسة بماء زمزم، فقد ذهب بعض الحنفية، الى انه لايُستعمل ماء زمزم في مواضع الامتهان و لايستعمل الا على شيء طاهر، فلا ينبغي ان يغسل به ثوب نجس ولا في مكان نجس، فيُصَان عن صَبِّه على النجاسات.
ويكره تحريما الاستنجاء به، وكذا ازالة النجاسة الحقيقية من ثوب او بدن، ومنهم من قال بحرمة ذلك، وبها قال بعض المالكية، وبعض الشافعية
وذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة الى كراهة ما تقدم من المسائل، والكراهة عندهم تنزيهية، وشددوا خاصة في منع الاستنجاء به.
ودليل الفقهاء القائلين بالكراهة التحريمية او التنزيهية، ما ورد من احاديث وآثار كثيرة تدل على عظيم فضل ماء زمزم، وكبير شرفه وجليل مكانته، حتى في الكتب السماوية السابقة، وايضاً نظروا الى ما ورد استعمال ماء زمزم فيه، فوجدوا انه ماء غَسَلَ به الملائكة الكرام قلبَ النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يستعمل ماء زمزم للتبرك به بشربه والوضوء به، والاستشفاء به، وصبه على المرضى وحنّك النبي صلى الله عليه وسلم، به الحسن والحسين رضي الله عنهما، ونحو هذا من الاستعمالات التي فيها كل تكريم واحترام وتشريف لماء زمزم.
وعلى هذا جرى اصحابه الكرام رضي الله عنهم، والتابعون لهم باحسان، وجرى العمل على هذا عبر العصور، وهكذا نظروا فوجدوا انه ماء ليس كبقية المياه، فله كرامته وخصائصه الفريدة، فذهب الفقهاء الى المنع من استعماله في ازالة النجاسة ونحوها من الصور المتقدم، على خلاف درجة المنع بين كراهة تحريم وكراهة تنزيهية، وذلك لئلا يمتهن هذا الماء المبارك، ويزول احترامه من قلوب المؤمنين، فما إن هذا شأنه وفضله، يميزه عن سائر المياه، ويدفع ويُصان عن استعماله فيما لا يليق به، صيانة له
واحتراما وتشريفاً.
ومع القول بالمنع، فقد نص الفقهاء على حصول الطهارة به، وايضاً هذا الحكم بالمنع، وانما هو في حال وجود غير ماء زمزم للتطهر به، والإ فان لم يوجد غير زمزم، ودعت الحاجة لاستعماله في التطهر وازالة النجاسة به والإ فان لم يوجد غير زمزم، ودعت الحاجة لاستعماله في التطهير وازالة النجاسة به، فهذه ضرورة، ولا يخفى حكم الضرورات.
واما ما روي ((عن عطاء انه ساله رجل، شكى اليه من البواسير، فقال له عطاء: اشرب من ماء زمزم واستنج به)).
فيحتمل على هذا امره له بان يصب ماء زمزم على موضع الاستنجاء وهو مكان البواسير، وذلك للإستشفاء بزمزم، لانه يستنجي ويزيل النجاسة بزمزم.
حكم الوضوء، والتيمم مع وجود ماء زمزم
وقد نصّ على استحباب الوضوء من ماء زمزم المالكية، وابن الزاغوني من الحنابلة، ونص الحنفية والشافعية والحنابلة على جواز الوضوء حيث قالوا بعدم كراهة الوضوء بماء زمزم.
واستدلوا بما يأتي:ـ
¥