كان اهل مكة من الصحابة ومَنْ بعدهم يحرصون على التبرك بماء زمزم حتى بعد موتهم، فيُغسّلِون به موتاهم بعد تطهيرهم، راجين لهم ببركته كل خير، وهم مُقبلون على عالم الاخرة.
فهذه اسماء بنت ابي بكر الصديق رضي الله عنهم،غسَّلت ولدها عبدالله بن الزبير، قبل دفنه بماء زمزم.
وهذا فعل السيدة اسماء بنت ابي بكر الصديق رضي الله عنه، وهي من هي، من كبار الصحابيات رضي الله عنهن، ومن اوائل من اسلموا، ((وهي ممن كان يلازم بيت النبي صلى الله عليه وسلم)).
وقال الفاكهي، عقب ذكره خبر اسماء: ((واهل مكة على هذا الى يومنا، يُغسّلون موتاهم بماء زمزم، اذا فرغوا من غسل الميت وتنظيفه، جعلوا آخر غسله بماء زمزم، تبركاً به)).
وعلى هذا المبدأ والايمان ببركة ماء زمزم حتى لما بعد الموت، وما يفعله كثير من الناس منذ عهد قديم وحتى يومنا هذا، حيث يَغمِسون ثوباً من القماش بماء زمزم، ثم ليتركونه ليَجُفَّ، ويحتفظون به ليكون كفناً لهم، راجين بركته، وحسن عائدته.
حيث قال الثعالبي: ((وكم من غاسل ثيابه بمائه ـ أي زمزم ـ لِما يرجوه من بركته، وحسن عائدته)).
رابعاً: تبرك العلماء بنسخ كتب السنة النبوية بمداد ممزوج بماء زمزم:ـ
ومن شدة حرص العلماء على التبرك بماء زمزم في كل شيء يرجى فيه الخير، ما روي عن الامام ابي عبد الله محمد بن خلف بن مسعود، المعروف بابن السّقاط، من اهل قرطبة، وكان قد رحل الى المشرق وحجّ، فكتب وهو في مكة صحيح الامام البخاري وغيره، وصنع الحِبْرَ من ماء زمزم، وكان حسن الخط.
هذا ولما كان لماء زمزم فضل عظيم، وشرف كبير، وامتاز عن غيره بخصائص كثيرة وخيرات وبركات عظيمة، وكان من أفضل التحف والقرى، حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة، ليشربه ويسقيه المرضى، ويصبهم عليهم للشفاء، ((فعن عائشة -رضي الله عنها-، انها كانت تحمل من ماء زمزم، وتخبر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله))
وفي رواية: ((حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الاداوي والقرب، وكان يصبه على المرضى ويسقيهم)).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستعجل في طلبه من مكة، لئلا ينقطع عنه هذا الماء المبارك، فقد ((كتب الى سهيل بن عمرو:ـ ان جاءك كتابي هذا ليلاً فلا تُصْبِّحَن، وان جاءك نهاراً فلا تمسين حتى تبعث إليّ بماء زمزم، فملأ له مزادتين، وبعث بهما على بعير)).
وقد نص على استحباب نقله من مكة، وحمله والتزود منه، فقهاء المذاهب الاربعة، وما عدا الحنابلة، فقد نصوا على عدم كراهة نقله، ولم يصرحوا بالاستحباب.
واستمر عمل السلف الصالح، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم الى يومنا هذا على هذه السنة، في حمل ماء زمزم من مكة الى كل فجٍّ عميق أتوا منه، يتزودون منه ابتغاء البركة والخير.
((فعن حبيب بن ابي ثابت قال: سألت عطاء بن ابي رباح التابعي، أحملُ ماء زمزم؟ فقال: قد حملهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمله الحسن والحسين رضي الله عنهما)).
((وسئل عطاء بن ابي رباح في ماء زمزم يُخرَج به من الحرم؟ فقال: انتقل كعب الاحبار باثنتي عشرة راوية الى الشام يستقون بها))
ومن اخبار حرص السلف رضي الله عنهم، على التزود من ماء زمزم دائماً، وحمله الى بيوتهم واينما كانوا:ـ
اولاً:ـ ((عن ابن عباس رضي الله عنهما، انه كان اذا نزل به ضيف اتحفه من ماء زمزم))، ((وما اطعم ناساً قط الا سقاهم من ماء زمزم)).
وهذا يدل على ان بيته، كان لا يخلوا من ماء زمزم.
ثانياً: وهذا الامام وهب بن منبه التابعي الجليل الثقة الحافظ، كان اذا دخل مكة لا ينقطع ماء زمزم عن بيته، وما كان له شراب ولا غسل ولاوضوء الا منه، زيادة حرص منه على التبرك به.
ثالثاً: وكان الامام العلامة القاضي تقي الدين ابن فهد المكي، ((لا ينفك عن المطالعة والكتابة والقيام بما يهمه من امر عياله، واهتمامه بكثرة الطواف والصوم، وحرصه على الشرب من ماء زمزم، بحيث يحمله معه الى خرج من مكة غالباً)).
وهكذا كان السلف الصالح، يحرصون كل هذا الحرص الشديد على وجود ماء زمزم دائماً عندهم في بيتوهم في مكة، حتى بلغ بهم انهم يصطحبون ماء زمزم حين يخرجون من مكة، لئلا ينقطعوا عن خيراته وبركاته.
واذا كان من السنة حمل زمزم، ونقله من مكة الى الافاق لمن كان هو من غير اهل مكة، فحمله ونقله الى البيوت، في حق سكان الحرم وجيرانه اولى وآكد.
وفضيلة ماء زمزم حاصلة باذن الله سواء كان في موضعه بمكة المكرمة، او في موضع آخر منقولاً اليه، ((فان من فضله لعينه، لا لأجل البقعة التي هو فيها))، والا لما حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام ومن تبعهم باحسان الى يومنا هذا.
وايضاً لا بد من الاشارة الى ان ماء زمزم لو حُفِظَ سنين طويلة لا يتغير ولا يفسد، وهذا امر واقعي مُجَرَّب، فيبقى ماء زمزم كما هو في كل مكان، ولو حفظ مدة طويلة من الازمان.
((اما من ملك شيئاً من ماء زمزم بالاخذ والحيازة، كان له بيعه وهديته ونحو ذلك، والتصرف فيه، كتصرفه في أي نوع من المياه او الكلأ ونحوها من المباحات اذا ملكها الانسان.
اما بيع ماء زمزم في موضعه، أي والماء في البئر، بان يقول للمشتري مثلاً: ابيعك دلواً من هذا الماء الذي في البئر، فلا يجوز له ذلك، لانه لم يصبح بعد في حوزته)).
ناسف لعدم وضعنا الهوامش
والحمد لله رب العالمين
¥