تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحاصل ما تقدم أن رأي الشيخ في حكم التصوير بالكاميرا ليس مستقراً ولا محررا، وإن كان الغالب على كلامه ظاهرُه القول بالجواز، وما ذكره من الأدلة على ذلك ضعيفة ومنقوضة كما تقدم، وكذلك ما ذكره من التفصيل في مسألة النظر إلى صور الآدميين فيه ما لا يتجه، كالفرق في النظر إلى صور المرأة الأجنبية بين المعينة وغير المعينة.

وكذلك تردده في حكم نظر الرجل إلى صورة المرأة الأجنبية بناءً على الفرق في تأثير النظر بين الحقيقة والصورة.

وهذا التفصيل وهذا التردد يمكن أن يكون شبهة لأصحاب الأهواء والشّهوات، من مطالعي الصّحف والشّاشات بإطلاق أبصارهم فيما يُعرض ويُنشر.

وإذا كان معظم ما ينشر ويعرض من صور النساء يقصد منه الإغراء وجذب الأنظار وإشباع الشهوات، والدعاية إلى ترويج الصور والمجلات والمبيعات.

فلا متمسك لأهل الباطل في كلام الشيخ رحمه الله. فإن النظر إلى ما يُعرض وينشر في وسائل الإعلام من صور النساء الفاتنات لإمتاع القراء والمشاهدين كله حرام عند الشيخ.

وأما ما قرره الشيخ في مسألة اقتناء الصور فهو واضح بيّن لا إشكال فيه.

والذي أراه صواباً هو تحريم التصوير بالكاميرا، وأنه داخل في عموم أدلة تحريم التصوير، وتحريم اقتناء الصور، وتحريم النظر إلى صور ما يحرم النظر إليه من الرجال والنساء، وأن الصورة كالحقيقة في ذلك، ويحسُن هنا ذكر جملة من الأحاديث الوردة في حكم التصوير:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة" متفق عليه، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله"، ولهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم"، ولهما عنه مرفوعاً: "من صور صورة في الدنيا كُلِّف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ"، وفي صحيح البخاري عن أبي جحيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَعَن المصورين".

والأحاديث الدالة على تحريم تصوير ذوات الأرواح وأنه من كبائر الذنوب وتحريم اقتناء الصور كثيرة مشهورة محفوظة في دواوين السنة.

وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم عامة وباقية إلى قيام الساعة، لعموم رسالته وختم النبوة به صلى الله عليه وسلم، فأحكام شريعته وخصوصها لا تختص بزمانه بل هي دائمة إلى أن يأتي أمر الله تبارك وتعالى، ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة، فنصوص تحريم التصوير شاملة لكل تصوير بأي وسيلة مما كان في عهده صلى الله عليه وسلم أو يكون بعده، والله الذي أنزل هذه الشريعة يعلم ما سيحدث من وسائل التصوير، فيجب تحكيم نصوص الكتاب والسنة وإعمال عُموماتها وإطلاقاتها، مالم يثبت ما يوجب التخصيص أو التقييد، كما يجب التحاكم إليها عند التنازع كما قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)).

وبعد؛ فعلى الجميع أن يتقوا الله ويلتمسوا رضاه، ويجتنبوا ما حرم عليهم وما يقرب إلى الحرام من المشتبهات.

هذا ونسأل الله أن يلهمنا الصواب، ويهدينا سبيل الرشد في القول والعمل. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أملاه

عبدالرحمن بن ناصر البراك

الأستاذ (سابقا) بجامعة الإمام محمد بن سعود

غرة رجب 1428

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير