تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما بالنسبة للسفر المباح كأن يسافر للنزهة أو يسافر للصيد المباح؛ فللعلماء وجهان أصحّهما أنه يرخص له ولو كان سفره مباحا ما لم يقصد بهذا السفر المباح التذرّع للتلاعب بصيام رمضان، فيعامل بنقيض قصده؛ لأن الأمور بمقاصدها وحينئذ يخرج عن حد الرخصة.

أما بالنسبة للأصل؛ فإنه يباح له؛ لأن الله أطلق السفر فلمّا قيّد بالحرام لورود النص بقي المباح على الأصل.

إذًا المسافر إما أن يسافر سفرا مأذونا به شرعا فلا إشكال في ثبوت الرخصة في حقّه؛ والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سافر لعمرته وترخّص في هذا السفر، وإما أن يسافر سفرا غير مأذون به شرعاً فالواجب عليه أن ينقطع عن هذا السفر وأن يرجع ولا يمكن للشرع أن يعينه على حرام؛ لأن هذا من التناقض، والشرع ينّزه عن التناقض.

وثالثاً: أن يسافر لأمر مباح فأصحّ قولي العلماء أنه يرخص له ولا بأس له أن يفطر.

المسافر يستبيح الرخصة إذا كان على سفر؛ فقال تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر} وجمهور السلف والأئمّة -رحمهم الله- أنه لا يكون على سفر إلا إذا أسفر، وأسفر إذا بان، والمراد بذلك أن يخرج عن العمران وهذا مما يستفاد من لفظ الآية الكريمة؛ لأن المكلّف فيه نية وهو باطن وفيه ظاهر وهو فعل، فإذا كان قد خرج وفي نيته بهذا الخروج أن يسافر؛ فإننا نحكم بمجرد خروجه عن آخر العمران بأنه أسفر، وحينئذ تستباح رخص السفر من الصلاة قصر الرباعية إذا أذن عليه الأذان وهو خارج المدينة ووجبت عليه السفريّة، وكذلك الفطر يجوز له أن يفطر في سفره، لكن قبل ذلك لو نوى؛ فالنية وحدها ليست كافية؛ لأن الله قال: {على سفر} وهذا يشمل الظاهر والباطن وهذا مذهب الجمهور؛ ودليلنا أثر عن بعض الصحابة أنه إذا وضع الإنسان متاعه في رحله وعزم الذي هو أنس –رضي الله عنه- وغيره أيضا أجيب عن هذا كما حرره غير واحد ومنهم الإمام ابن قدامة وغيره بوجهين:

الوجه الأول: أن يقال إن الصحابي وهذا ثابت كما جاء في قصة عدي يجتهد في فهم السنة وقد ينسبها، لمّا قيل له: من السنّة. قال: إنها سنة قال: نعم ورفعها ونسبها إلى السنة، قالوا إنه إذا فهم النّص على ظاهره نسبه للسنة؛ لأنه من اجتهاده في الفهم، فكان يفهم من قوله: {على سفر} أنه بمجرد نيته أنه مسافر مع أننا وجدنا صريح السنة دالة على أن الرخص لا تستباح بالنية، ومن أقوى ما يدل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بالمدينة أربع ركعات في حجة الوداع، وصلاها بذي الحليفة ركعتين مع أنه بالإجماع أصبح ذلك اليوم وفي نيته أن يسافر بل قدم الناس من خارج المدينة وهم يريدون الحج، حتى قال جابر: امتلأت بهم سكك المدينة كلهم يريد أن يرى كيف يحج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإذا لا إشكال في كونه ناويا للسفر ومع ذلك لم يستبح رخص السفر، وانتظر حتى أسفر عن المدينة ونزل بذي الحليفة فصلى العصر ركعتين، فجعل الرخصة بعد البروز والخروج، وهذا ما يقتضيه النظر الصحيح؛ وعلى هذا فإنه لا يستبيح الفطر إلا بعد خروجه من المدينة، وحينئذ يكون على سفر ظاهرا وباطنا، وأما الاقتصار على الباطن فهذا اجتهاد؛ ولذلك عدي –رضي الله عنه- فسر الآية على غير ظاهرها، وردّ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا التفسير، فعندنا إذا فسّر الصحابي نصا وجاء من السنة ما يخالفه وجب الرجوع إلى تفسير السنة، فلما لم يعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - النية وحدها واكتفى بالفعل والظّاهر وجمع مع الباطن الظاهر ولم يكتف بالباطن وحده؛ دل على أن الرخص لا تستباح بمجرد نية السفر لا في الصلاة ولا في الصوم، ومن هنا نقول إنه لا يستبيح الرّخصة ويفطر إلا إذا أسفر وخرج.

المسافر يباح له الفطر في السفر وعلى هذا إذا خرج من الليل ثم أصبح مسافرا فوجه واحد عند العلماء أنه يفطر، ولو خرج أثناء النهار وكان قد نوى السفر طارئاً فمن أهل العلم من ألزمه بإتمام يومه، وظاهر النص أنه يباح له الفطر سواء خرج وفي نيته أن يصوم أو لم يخرج على تلك الصفة أنه يباح له أن يفطر، ومن هنا قالوا إنه لو بات ليلته ينوي أن يفطر إذا كان عنده نية للسفر حتى يخرج من الخلاف، وعلى كل حال فإن النص ظاهر وواضح الدلالة على أنه يستبيح الرخصة مادام أنه على سفر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير