تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأصل يقتضي أنه يفطر مادام في السفر، فإذا قدم الحضر لزمه الإمساك، وهذا على ما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أنس –رضي الله عنه- أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنهم الصائم ومنهم المفطر، فلم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نزلوا إلى كراع الغميم وهو بطرف جدة فأفطر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفطر صحابته معه قال: ((فلم يزل مفطرا حتى دخل مكة)) وهذا يدل على أنه استباح الرخصة وهو على السفر أي على حالة السفر، فإذا قدم إلى الحضر فإنه في هذه الحالة يمسك إلا إذا وجد عنده عذر يبيح له الفطر فإنه يفطر، وهذا قول جمهور العلماء -رحمهم الله- أنه إذا نزل في الحضر فإنه يمسك ولا يفطر.

هناك وجه ثان أنه يباح له الفطر ولكن لا يفطر أمام الناس، ولا يفطر في عيون الناس، والأول أحوط.

[فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء]: فالفطر للمريض وللمسافر أفضل، قال بعض العلماء: الفطر واجب كما ذكرنا؛ لقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} فطائفة من أهل الظاهر والسلف الصالح فسروا الآية الكريمة بأن المسافر والمريض نقله الله من رمضان إلى عدة من أيام أخر، وحينئذ يجب عليه أن يفطر في رمضان إذا أصابه عذر المرض أو السفر، ولا يجوز للمسافر عندهم أن يصوم، وإذا صام لم يجزه صومه.

وذهب جمهور العلماء والأئمة إلى أنه يجوز له أن يفطر ويجوز له أن يصوم؛ لأن السنة الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثابتة بذلك، فقد خرج عليه الصلاة والسلام في سفره ثم كان معه الصحابة منهم الصائم و منهم المفطر. قال أنس –رضي الله عنه-: ((فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم)) أي ليس الصائم يعيب على المفطر، ويقول له مثلا: أنت أفطرت، ولا المفطر يعيب على الصائم فيقول له: أنا أخذت بالرخصة وأنت تشدد على نفسك، فكل منهم على حاله. قالوا فهذا يدل على أنها رخصة تخييريّة وليست إلزاميّة، وهذا القول هو أقوى الأقوال؛ لأن السنة واضحة في الدلالة على أنه يباح للإنسان أن يفطر في السفر وليس بمتعين عليه، وقد ذكر الله المرض والسفر كعذرين وحكمهما واحد.

ومن الأدلّة أن النبي- صلى الله عليه وسلم - لما سئل كما في الصحيحين، قال له أبو حمزة -رضي الله عنه وأرضاه- عمرو بن حمزة -رضي الله عنه وأرضاه- قال: يا رسول الله، إني أطيق الصوم في السفر. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)).

فخيره النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصوم وبين الفطر. وقال بعض العلماء: إن هذا التخيير فيه تفصيل، فظاهر حديث عمرو وحديث النبي - r- أنه كان بهم الجلد والقوة، فقال: إني أطيق الصوم في السفر فخيره، فدل على أنه إذا كان لا يطيق الصوم في السفر ويصل به الأمر إلى الحرج؛ فالأفضل له الفطر، ويؤكد هذا أنه لما صام في شدة الحر عليه الصلاة والسلام حتى بلغ كراع الغميم وسقط الناس أفطر عليه الصلاة والسلام فراعى الرخصة لوجود الحرج والضيق. فنقول المسافر له حالتان:

الحالة الأولى: أن يصل به الصوم إلى الحرج والمشقة والضيق، فالفطر في حقه أفضل.

وأما إذا كان لا يصل به الأمر إلى الحرج والضيق ويمكنه أن يصوم؛ فللعلماء وجهان:

منهم من قال: الفطر أفضل؛ لأنه أخذ بالرخصة، ويقولون إن الأخذ بالرخصة جاءت به السنة: ((عليكم برخص الله الذي رخّص لكم)) وحديث: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه)) ضعيف السند لكنه صحيح المتن إذا ثبت هذا ولذلك قال: ((عليكم برخص الله)) وهذا فيه نوع من التشديد بالرخصة أن يقبلها العبد ويعمل بها.

وقالوا وخاصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس من البر الصيام في السفر)) فقوله: ((ليس من البر)) قالوا الكامل والأفضل أن يصوم في السفر، ومن هنا قّووا أن يكون مفطرا لا صائما.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير