1 - ففي هـ?ذا الحديث الإشارة؛ بل الأمر بالإفطار على التمر، وهل هو واجب؟ لا، ليس بواجب؛ ولكن الأكمل والأفضل أن يكون على التمر، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد من فوائد الإفطار على التمر أنه يقوّي البصر، وهو كذلك أيضا مجرّب، ولهذا كان كثير من الناس يفطرون قبل كل شيء إذا قاموا من النوم بسبع تمرات.
وكان شيخنا رحمه الله يقول: إن قول الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((من تصبح بسبع تمرات من العجوة لم يصبه ذلك اليوم سمّ ولا سحر))، كان يقول شيخنا: الظاهر أن هـ?ذا على سبيل التمثيل، وأن التمر كله يحصل به الفائدة.
وسواء كان هـ?ذا القول صوابا أم غير صواب فإنه يرجى أن يكون الإفطار على سبع تمرات أن يكون فيه الخير ويكون داخلا في قوله: ?فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ? [التغابن:16]، فإذا لم نجد العجوة فهـ?ذا يكون بدلا عنه، وعلى كل حال فإن الإفطار به يزيد البصر.
ونحن نعلم جميعا أن للحلوى تأثيرا على الدم وقوته، ولاسيما إذا كان من التمر، وأظنكم قد علمتم أن الله تَعَالى? هيأ لمريم عند نفاسها الرُّطب الجني؛ لأن النفساء قد خرج منها دم كثير تحتاج إلى? تعويض، وهـ?ذا يدل على أن التمر من أحسن ما يعوِّض عن هـ?ذا الدم الذي سال منها عند الولادة.
وأيضا التمر أسهل من غيره مؤونة؛ لأنه لا يحتاج إلى? تعب، الرز يحتاج إلى? تعب، لكن هـ?ذا لا يحتاج إلى? تعب، لهذا بيت فيه تمر لا يجوع أهله وبيت لا تمر فيه أهله جياع.
وأيضا يقول ابن القيم رحمه الله: إن التمر فيه حلوى وفيه غذاء، وهو فاكهة إذا كان رطبا، فقد جمع بين الفاكهة والحلوى والغذاء، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحب الحلوى.
2 - ومن فوائد الحديث أيضا أنه إذا لم يجد التمر أفطر على ماء، إذا كان عنده ماء وخبز فعلى أيهما يفطر؟ على الماء، اتّباعا للسنة.
مسألة: إذا كان عنده ماء وحلوى؟ هـ?ذه اختلف فيها العلماء:
منهم من قال: يقدم الحلوى؛ لأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قدم التمر، والحلوى تشاركه في الحلاوة، ويكون ذكر التمر هنا لأنه أيسر ما يكون عند القوم.
ومنهم من قال: نحن في هـ?ذه الأمور ينبغي أن نكون ظاهرية، لاسيما وأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ علل قال: (فَإِنَّهُ طَهُورٌ) ولم يعلل في التمر لأن علته ظاهرة؛ لكن علل في الماء ترغيبا فيه؛ لئلا يقول القائل: ما الفائدة من الماء؟ فقال: (فَإِنَّهُ طَهُورٌ).
والذي يترجح عندي أن يقدم الماء؛ لكن يشرب من الماء مقدار ما يحصل به الفطر ثم يأكل مما عنده.
3 - ومن فوائد الحديث أيضا بيان فائدة الماء وتطهيره لبدن الصائم إذا أفطر عليه، لقوله: (فَإِنَّهُ طَهُورٌ).
4 - من فوائده أيضا تعليل الأحكام الشرعية لقوله: (فَإِنَّهُ طَهُورٌ)، وحسن تعليم الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ حيث قرن الحكم بالعلة.
5 - ومنها أيضا اتخاذ ما يعين على امتثال الأمر؛ يعني التشجيع على امتثال الأمر والإغراء به، يؤخذ من قوله: (فَإِنَّهُ طَهُورٌ)؛ لأن هـ?ذه العلة تبعث النفس على أن تفطر على ماء، وإلا فقد يقول قائل كما أشرت قريبا: ما فائدة الماء؟.
نأخذ منها التشجيع على فعل الخير، وعلى فعل الأمر، وأنّ هـ?ذا لا يدخل في باب الإجارة.
مسألة: وبناء على ذلك يكون تشجيع حفظة القرآن بالمال أو بالكتب أو بغيرها مما يرغبون به ويشجعون به أمر له أصل في الشرع، كما أن له أصلا في الشرع من جهة سلب القاتل؛ فإن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ جعل لمن قتل قتيلا من الكفار جعل له سلبه؛ يعني ثيابه وما عليه خاصة به، وهـ?ذا بلا شك تشجيع، وكذلك جعل لكل من دل على حصن من حصون الكفار أو على ثغر من ثغورهم من الأشياء الهامة في مواطن قتالهم، جعل له النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مكافئة، وهـ?ذا يدل على أن المكافئة على الأعمال الصالحة لا يعد من الرياء، ولا يعدّ من إفساد نيات الناس، كما زعمه بعضهم؛ فإن بعض الناس قال: لا تعط حافظ القرآن جائزة، ولا تعطه مكافئة؛ لأن هـ?ذا يؤدي إلى? إفساد النيات.
يقال له: أنا ما قلت اعملوا لهذا السبب وربما يكون هـ?ذا الرجل ما طرأ على باله أن يحصل على الجائزة، إنما همه أن يفعل الخير فقط.
مسألة: إذا كان في الإنسان مرض السكري هل يجوز أن يفطر على تمر؟
¥