ولهذا القاعدة المقررة عند عامة الفقهاء أن ترك المأمور لا يُعذر فيه بالنسيان والجهل؛ بل لابد من قضائه، وإن كان الإثم يسقط وأن فعل المحظور يعذر فيه بالجهل والنسيان.
إلا أنه يرد علينا أن هناك أشياء من المأمورات أسقطها الشارع بالجهل:
مثاله المرأة التي قالت للنبي -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: إني اُستحاض فلا أطهر. ومعنى ذلك أنها لا تصلي، والمستحاضة تجب عليها الصلاة أو لا؟ نعم تجب عليها الصلاة، ولم يأمرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضائها مع أنها تركت المأمور؛ لكن تركته جهلا.
مثال آخر عمار بن ياسر بعثه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاجة فأجنب وليس عنده ماء، فجاء يتمرّغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم جاء للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وأخبره فقال: ((إنّما كان يكفيك أن تقول كذا)) وذكر التيمم، () ولم يأمره بإعادة ما سبق.
ثالثا الرجل الذي رآه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحد أسفاره لم يصلّ معتزلا القوم، فسأله، قال: أصابتني جنابة ولا ماء. فقال: ((عليك بالصعيد فإنه يكفيك))، () فهـ?ذا أيضا يدل على أن الجاهل بالمأمور لا يؤمر بالإعادة، مع أن النسيان -نسيان المأمور- أمر الشارع فيه بالإعادة، قال: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)).
فظاهر السنة التفريق في باب المأمور بين الجهل وبين النسيان.
فما هو الجواب عن هـ?ذا الظاهر؟
الجواب: أن يقال أن في مسألة المستحاضة التي كانت تترك الصلاة وهي مستحاضة، والمستحاضة تجب عليها الصلاة، فلأنها معذورة لأنها تأولت، كيف التأول؟ بَنَت على أصل؛ أن كل دم فهو حيض، فهي بَنَت على أصل، فتكون كما لو أخطأ المجتهد في تأويله، ما نقول: إن اجتهادك الثاني ينقض الاجتهاد، أو علمك بالدليل بعد اجتهادك ينقض اجتهادك.
وكذلك نقول في قضية عمار بن ياسر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لأن عمار بن ياسر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ استعمل القياس الذي يغتسل من الجنابة ماذا يطهِّر؟ جميع بدنه هـ?ذا الرجل اجتهد وقام يتمرّغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة حتى وصل التراب إلى? جميع البدن هـ?ذا قياس إذن هو متأول أو غير متأول؟ متأول.
قصة الرجل الذي قال: أصابتني جنابة ولا ماء، نقول: من الذي قال: إن هـ?ذا الرجل كان عليه صلوات سابقة؟ قد يكون لم يفته إلا هـ?ذه الصلاة، ولما قال له عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((عليك بالصعيد فإنه يكفيك))، () فإنه سوف يتيمم ويصلي، هـ?ذا هو المعروف. ثم نقول: أيضا علم بعد أن جاء الماء إلى? الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستقى الناس وشربوا وسقوا الإبل وبقي بقية قال للرجل: ((خذ هـ?ذا فأفرغه على نفسك))؛ () يعني اغتسل به، لأن التيمم ما يرفع الحدث إلا رفعا مؤقتا، مادام الإنسان لم يجد الماء فإذا وجده عاد عليه الحدث.
فهـ?ذا هو الجواب عما ذكر، وإلا فإن الأصل أن فعل المأمور لابد منه؛ لكن بعض أهل العلم رحمهم الله قال: إنه إذا كان ذلك المأمور أشياء كثيرة شاقة على الإنسان، وأنه بانٍ على أصل، حديث عهد بالإسلام، ولم يعلم أن الصلاة واجبة، فترك الصلاة مدة طويلة، فإن هـ?ذا لا يؤمر بقضاء الصلاة.
وكذلك المسيء في صلاته يقولون: المسيء في صلاته لأنه كان لا يقيم في المدينة ولا يعلم والصلوات كثيرة.
القاعدة أن كل عبادة مؤقتة إذا أخرجها الإنسان عن وقتها فهي لا تقبل منه، وهـ?ذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حزم وجماعة من أهل العلم، قالوا: الصلاة المؤقتة إذا تعمدت أنك تتركها ثم أردت أن تقضيها ما تصح؛ لأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))، () وكما أنّها لا تقبل قبل الوقت فلا تقبل أيضا بعد الوقت.
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[15 - 09 - 07, 05:06 م]ـ
[الحديث العشرون]
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ ذَرَعَهُ اَلْقَيْءُ فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ, وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ اَلْقَضَاءُ)) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ. () وَأَعَلَّهُ أَحْمَدُ. وَقَوَّاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ.
[الفوائد]
فيستفاد من هـ?ذا الحديث عدة فوائد:
أولا أن الاستقاء مفسد للصوم لقوله: (وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ اَلْقَضَاءُ).
¥