أمّا النّفل فيجوز صومه عند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة خلافاً للمالكيّة - بنيّة قبل الزّوال، للحديث عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ" [مسلم - كتاب الصوم - بَاب جَوَازِ صَوْمِ النَّافِلَةِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ ... ]
ولأنّ النّفل أخفّ من الفرض، والدّليل عليه: أنّه يجوز ترك القيام في نّفل الصلاة مع القدرة، ولا يجوز في الفرض.
ومذهب الحنابلة جواز النّيّة في النّفل، قبل الزّوال وبعده، واستدلّوا بحديث عائشة، وحديث صوم يوم عاشوراء، وأنّه قول معاذ وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهم وأنّه لم ينقل عن أحد من الصّحابة ما يخالفه صريحاً، والنّيّة وجدت في جزء من النّهار، فأشبه وجودها قبل الزّوال بلحظه.
وذهب المالكيّة إلى أنّه يشترط في نيّة صوم التّطوّع التّبييت كالفرض.
لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «من لم يبيّت الصّيام من اللّيل فلا صيام له» فلا تكفي النّيّة بعد الفجر، لأنّ النّيّة: القصد، وقصد الماضي محال عقلاً.
(قلت: وهو اعدل الاقوال واصحها واوفقها للدليل الشرعى الصريح بلا تأويل)
وقد بوب البخاري فى كتاب الصوم بَاب إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا وَقَالَتْ أُمَّ الدَّرْدَاءِ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ فَإِنْ قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ".
قال ابن حجر فى الشرح:
وَقَالَ اِبْنُ عُمَرَ" لَا يَصُومُ تَطَوُّعًا حَتَّى يُجْمِعَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ يَتَسَحَّرَ " وَقَالَ مَالِكٌ فِي النَّافِلَةِ " لَا يَصُومُ إِلَّا أَنْ يُبَيِّتَ , إِلَّا إِنْ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّبْيِيتِ " وَقَالَ أَهْلُ الرَّأْيِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ مُنْتَصَفِ النَّهَارِ أَجْزَأَهُ , وَإِنْ بَدَا لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِهِ. قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ , وَاَلَّذِي نَقَلَهُ اِبْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْجَوَازِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ , وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ التَّفْرِقَةُ , وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صِيَامُ التَّطَوُّعِ إِلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ. أ.هـ
قلت: وهذه المسأله قد يظنها البعض مشكله، وان حديث صوم عاشوراء فيه دليل على ان الصائم له ان ينوى نهارا كيف شاء، وهذا كلام بعيد جدا فضلا عن معارضته للنصوص الصحيحه المبينه للزوم تبييت النيه من الليل، ووجدت كلاما نفيسا للشيخ الالبانى – رحمه الله – يبين هذه المسأله اسوقه هنا بتمامه مع ما فيه من الاطالة وذلك لزوم الحاجه ولزوم فك الاشكال المتصور فى هذه المسألة:
قال الألباني: [السلسلة الصحيحة (6/ 246) وما بعدها]:
من وجب عليه الصوم نهارا , كالمجنون يفيق , و الصبي يحتلم , و الكافر يسلم , و كمن بلغه الخبر بأن هلال رمضان رؤي البارحة , فهؤلاء يجزيهم النية من النهار حين الوجوب , و لو بعد أن أكلوا أو شربوا , فتكون هذه الحالة مستثناة من عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " , و هو حديث صحيح كما حققته في " صحيح أبي داود " (2118) و إلى هذا الذي أفاده حديث الترجمة ذهب ابن حزم و ابن تيمية و الشوكاني و غيرهم من المحققين. فإن قيل: الحديث ورد في صوم عاشوراء و الدعوى أعم. قلت: نعم , و ذلك بجامع الاشتراك في الفريضة , ألست ترى أن الحنفية استدلوا به على جواز صوم رمضان بنية من النهار , مع إمكان النية في الليل طبقا لحديث أبي داود , فالاستدلال به لما قلنا أولى كما لا يخفى على أولي النهى. و لذلك قال المحقق أبو
¥